د. عماد مكلف البدران
مما لا شك فيه أن لكل منا طاقةً في داخله تتفجر مع توفر الظروف المناسبة لها، ومنها ما يتجاوز الحدود ليصبح إبداعاً خلاقاً، وحتماً أن مجالات مثل العمل والوظيفة هي ميادينها، ويبدأ بعضها في مراحل الدراسة المختلفة إذ تكون مصدر شحن للأفكار وقوة دافعة للإنجاز، وأغلبنا يتمنى أن يتمتع بتحفيزها للحيوية والنجاحات، التي تتحقق في الميادين كافة، لا سيما الرياضية والثقافية والعلمية فضلاً عن الاقتصادية، فديناميكية الحركة وفاعليتها، مصدرها الطاقة الموجهة بالشكل الصحيح المنتج، ولأجل هذا الوضع تخطط الدول لاستثمار أقصى طاقات المجتمع واستغلالها في سبيل النمو والتقدم، وهي تبحث عن قفزات سريعة تصل بهم إلى مرحلة شحن الطاقة وتجديدها بشكل يؤدي إلى شحن التطور ودفعه نحو الأمام، لتبقى هذه الدول تتمتع باستقرار اقتصادي علمي تقني مستمر تتوارث فيه الأجيال مفهوم الطاقة الفعالة والمستثمرة، وعلى الرغم من كوننا شعوبا فتية فيها نسبة عالية من الشباب مصدر الطاقة المتجددة والحيوية، إلا أن الوضع أصبح معكوساً تماماً هذه الأيام مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وهيمنتها على المجتمع، بدءاً من الأُسر والمدارس ومحلات العمل والدوائر والمؤسسات، فانك تجد الناس مشغولين بتصفح المواقع ومشاركة المقاطع والتعليقات و(اللايكات)، هذا فضلا عن صناعة اللقطات، لتستحوذ وسائل التواصل على أوقات الأجيال وساعاتهم، وتحولهم إلى مجموعات تستهلك طاقتها بالاتجاه الخطأ وتُهدر هذه الطاقة في غير محلها ويتراجع الإنتاج والإبداع والابتكار، ثم تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات مريضة، مجموعة من وجوهٍ صفراء لشبابٍ استنزفت ساعات السهر طاقاتهم، ما جعل عطاءهم في مدارسهم وأعمالهم محدودا، وتحولوا شيئاً فشيئاً إلى مجتمعات استهلاكية تبيع طاقتها لتشتري متعا زائفة، لكن كيف تمكنت وسائل التواصل وبرامجها العديدة من سرقة طاقتنا التي من المفروض ان تكون منتجة؟. إن الحقيقة التي يدركها أغلبنا بل ربما سوادنا الأعظم، هي أن أوقاتنا أصبحت مسروقة رغماً عنا وبرضانا، هذا التناقض العجيب الذي اصبح مقبولاً لدى معظمنا، فمع موافقتنا على السماح للبرامج المختلفة في الولوج إلى سجلات موبايلاتنا والملفات، وقعنا فريسة بإرادتنا لتُنهب طاقاتنا، وتعالوا نتحدث بإيضاح عن ذلك، فإننا نحب الرياضة وما أن نتبادل بعضا من مقاطعها مع الأصدقاء يتحول الموبايل إلى رياضي لتنتعش ساعات من متابعة الأخبار الرياضية وطرائفها وتحدياتها وكل ما يتعلق بها لنعيش اللهو، ثم ما أن نتحول إلى الاهتمام بالأخبار ينتعش "موبايلك" بها وتتحول حياتك إلى قلق وجحيم، إذ إنك ستجد نفسك سياسياً بامتياز ومصدرا للفتن والإشاعات وتلعب بك الآراء المختلفة والتوجهات وتصبح مصيدة لأعلام ربما يكون معادياً، ثم تبتلع أوقاتنا المقاطع المضحكة والهزلية والأخرى المأساوية والفضائح، ثم تجد البعض منا يُتابع أخبار المشاهير والموضة، وتأتي الإعلانات لتستحوذ على مساحة من رغباتنا الاستهلاكية المتزايدة، كل ذلك وغيره، هو بفعل تسليم أنفسنا إلى شركات البرامجيات المختلفة، التي أصبحت تتجسس على هواتفنا لتمنحنا رغبات نحن من سعينا إليها، ما جعلتنا أجيالا تهدر الوقت والطاقة والأموال بإرادة منها مسروقة، وبالنتيجة ستحولنا إلى مستهلكين تُسرق منهم هويتهم وتذوب حضارتهم وتنتهك خصوصياتهم ومن ثم تأخر الانتاج وتأخر النمو والتطور؛ لأن طاقاتهم ذهبت سُدى وهدراً، بل يمكن القول إن قوة عالمية (شفطتها) لتعزز طاقة كيانها ووجودها إذ أننا وبأموالنا بعنا لهم طاقاتنا واشترينا متعا زائلة ونحن نرتع بالبلادة ونتجه نحو التخلف وهم (أي من استحوذ على طاقاتنا) يتعافون وتكبر حجم ثرواتهم وتنتعش في دولهم الطاقة البشرية المتجددة والمبتكرة.