أويس الحبش
تعاني المؤسسة التعليمية في ظل حرب الإبادة، التي تشهدها غزة من تدمير ومحو كامل بسبب القصف والاستهداف الهمجي لآلة القتل الصهيونية، التي قد دمرت بالفعل وعلى حسب بيانات المكتب الحكومي في غزة 86 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع المحاصر، ناهيك عن تدمير المؤسسات الصحية والإغاثية والتجويع الذي لم يُشهد مثله من قبل في التاريخ الحديث.
ولكن في ظل الإبادة الجماعية هل يجب القلق على مستقبل التعليم في غزة كالقلق على لقمة العيش؟
بحسب ما وردته تقارير، فإن أكثر من 785 ألف طالب حرمهم الاحتلال من التعليم للعام الثاني على التوالي في غزة، وأُعدم 183 عالما وباحثا ومدرسا أكاديميا، والمئات من المدرسين والمدرسات، إضافة إلى قتل أكثر من 12 ألف طالب وطالبة وتدمير مئات المدارس والجامعات والمراكز التعليمية، وبسببه تأخر الغزاويون الطلبة عن أقرانهم على المستوى التعليمي، الذي يُعدُّ من أهم مناحي الحياة بالنسبة للفلسطيني الذي وظفه كسلاح للنجاة ولحماية القضية. وبسبب هذا الاهتمام لم يترك الفلسطيني مقاعد الدراسة حتى خلال حرب الإبادة الأولى المسماة بنكبة الـ 1948 وأكمل الطلاب مشوارهم العلمي على الرغم من قساوة الظروف في خيم النزوح والتي اخرجت مهندسين وأطباء ومعلمين، ليسهم هذا الكفاح بإعادة هيكلة المجتمع الذي تمزق بفعل التهجير القسري.
وعلى امتداد الخارطة في كامل فلسطين المحتلة وعلى الرغم من همجية الاحتلال، إلا أن التعليم يُعدُّ الناجي الوحيد من العبث الصهيوني، فالمنهاج الدراسي هناك فلسطينيٌ بالكامل على الرغم من الضغوطات الصهيونية لمحو وتحريف المواد المُدرسة لتناسب سردية الاحتلال واجهاض القضية من عقول الاجيال الناشئة، إلا أن هذه المحاولات تفشل بفضل جهود وشجاعة الكثير من المدرسين، الذين يمارسون دوراً مقاوماً في تعزيز القضية في نفوس الأجيال ومقاومة المساعي الصهيونية وفكرها.
اما في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، في القدس مثلا، يعتمد الاحتلال نهج هدم المدارس العربية بحجة المخالفات، أو يلجأ إلى وقف اصدار تصريحات ليمنع بناء مدارس جديدة، في محاولة لإجبار الفلسطينيين للتعلم على أهواء السردية الصهيونية.
وبالنسبة للطلاب الفلسطينيين الوافدين للخارج في الجامعات العربية والأجنبية، فهم يحتلون مراتب التفوق ويشغلون مراكز عليا في الجامعات كأساتذة وأكاديميين بعد التخرج، ويساهمون بشكل أو بآخر وبفاعلية بالكفاح ونشر الوعي ضد الاحتلال، والأمثلة على تلك الشخصيات كثيرة، ولعل واحداً من أبرز هذه الشخصيات، هو الرحل ادوارد سعيد المفكر والأديب والأستاذ الجامعي في جامعة كولومبيا.
لا يعتبر الفلسطيني التعليم على أنه رفاهية أو ضرورة ثانوية، بل سلاحٌ بيده لحماية القضية والدفاع عنها رفقة البندقية، ولذلك تدمير المؤسسات التعليمية وقتل الطلاب أطفالاً وشبانا وشابات في غزة ترقى لتكون كارثة وطنية فلسطينية لا تقل عن نكبة الـ 1948 والإبادة الحاصلة اليوم، والرجوع لمقاعد الدراسة أولوية مثلها مثل إدخال المساعدات وإيقاف القتال.