محمد صالح صدقيان
وتعتبر هذه المفاوضات الاولی من نوعها منذ سنتين وهي الأولی ايضا في عهد حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، علی الرغم من الانتقادات التي توجهها اوساط إيرانية للموقف الاوروبي الذي لم يعمل علی تنفيذ الجانب الاقتصادي من الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018. ولا تتوقع طهران حصول تقدم كبير في هذه المفاوضات لكنها تعكس رغبة الجانبين للسير بطريق خفض التوتر واستئناف المسار الدبلوماسي لحل القضايا العالقة بين الجانبين.
وقالت مصادر قريبة من مجلس الأمن القومي الإيراني إن فتح باب الحوار بين إيران وأوروبا يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار تنصل الجانب الاوروبي من وعوده بشان تنفيذ الجانب الاقتصادي من الاتفاق النووي الموقع عام 2015؛ والوقوع في اجواء الحرب الأوكرانية، وأخيرا في القلق الذي أصابها من جراء فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الاخيرة.
وعلی الرغم من عدم ارتياح الوسط الاصولي المحافظ من الحوار مع الأوروبين لكن الاوساط الإيرانية اعتبرت الاجتماع خطوة مهمة في بناء الثقة بين إيران والجانب الاوربي. وفي حال استمراره يمكن أن تنهي القطيعة التي استمرت عامين بشان تفعيل خطة العمل المشترك "الاتفاق النووي"، خصوصا أن جدول أعمال الاجتماع لا يقتصر على المفاوضات النووية، بل يشمل مجموعة متنوعة من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي إن الاجتماع جاء علی خلفية التفاهمات التي جرت مع الأوروبيين ومع المنسق الاوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل في نيويورك علی هامش اجتماعات الجمعية العمومية لمنظمة الامم المتحدة، سيتناول مجموعة من المواضيع والقضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك قضيتا فلسطين ولبنان، فضلا عن القضية النووية.
وقال كبير المتحدثين باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو أن "إنريكي مورا" نائب السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي سيجتمع مع نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية الإيراني "مجيد تخت روانجي" لمناقشة مجموعة من القضايا.
ورأی المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية، تعليقا على عقد هذا الاجتماع، أن لندن تسعى إلى تخفيف التوتر بشأن الملف النووي الإيراني عبر القنوات الدبلوماسية المختلفة.
بدوره عبر علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني الاعلی علي خامنئي عن ثقته بامكانية التوصل مع الدول الغربية، وتحديدا الادارة الامريكية الجديدة الی صيغة من شانها ازالة القلق من البرنامج النووي الإيراني مقابل ازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة علی إيران وتعويض الخسائر التي تكبدتها إيران طوال فترة الحظر.
وتعتقد مصادر إيرانية أن اصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة بإدانة إيران خطوة غير موفقة وهي رسالة غير ودية من أجل المسير باتجاه مناقشة القضايا العالقة، وهي لا تحقق الحفاظ علی المصالح الغربية في المنطقة؛ في الوقت الذي قال وزير الخارجية عباس عراقجي "نحن على استعداد تام للمفاوضات، برأيي أنها ممكنة ويمكن للطرفين العمل في هذا الصدد، ولكننا ما زلنا نعتبر نافذة الدبلوماسية مفتوحة، بشرط أن تكون هناك إرادة حقيقية من الجانب الآخر. إذا لم يكن هناك مثل هذه الإرادة لدى الجانب الاخر، فمن الطبيعي أن نتخذ طريقا آخر"؛ مشيرا إلی أن إيران لديها الاستعداد اللازم لأي مسار وهي مستعدة لمختلف السيناريوهات "وإذا وصلنا إلى نقطة المواجهة فنحن جاهزون للوصول إليها، وإذا وصلنا إلى نقطة التفاعل فنحن جاهزون ايضا".
وترفض طهران مقايضة التوصل لوقف اطلاق النار في لبنان مقابل نجاح المفاوضات مع الدول الغربية في جنيف، معتبرة أن حل الملف الإيراني كفيل بتعزيز الامن والاستقرار والسلام في المنطقة.
إن نجاح المفاوضات بين طهران والجانب الأوروبي يمكن أن يكون مقدمة لمسار صعب من المفاوضات مع الادارة الامريكية الجديدة ومع الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب، لكن مثل هذه المفاوضات، وذاك المسار يصددم مع جهود تبذلها قوی متشددة في داخل إيران وخارجها خصوصا في ظل المعلومات، التي تتحدث عن استعداد الرئيس ترامب التوصل لـ "صفقة كبری" مع إيران خصوصا أن الاخيرة تجيد لعبة الصفقات الكبری خصوصا عندما تكون "اللعبة" علی أساس "رابح رابح".
ان إيران مستعدة للدخول في مفاوضات نووية تستند علی اطار الاتفاق النووي السابق لكن في اطار ضمانات من أجل استدامة الاتفاق الجديد. ويسود الاعتقاد أن الرئيس ترامب ربما يمتلك راهنا عوامل القوة، التي تستطيع تمرير اي اتفاق يحصل مع إيران من أجل إعطاء مثل هذه الضمانات خصوصا وان الجمهوريين يسيطرون علی الكونغرس "الشيوخ والنواب". علی خلاف إدارة الرئيس بايدن التي كانت تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين في كل الملفات الدولية وليس الملف الإيراني فحسب.