التعداد السكاني الذي أبكاني

آراء 2024/12/02
...

  عبدالزهرة محمد الهنداوي

كانت لحظة اعلان النتائج الاولية للتعداد، تمثل بيانا رسميا، بالانتصار، فإنْ تنجح الدولة في اجراء تعداد سكاني شامل بعد غياب ناهز الاربعة عقود، في ظل ظروف لم تكن مثالية بالمطلق، فهذا يمثل انتصارا حقيقيا، وأن تنفذ الدولة مشروعا مثل مشروع التعداد، يصنف عالميا، بأنه الأصعب والأضخم على مستوى الحكومات، وسط مخاوف الناس، تلك المخاوف، التي سعى المناهضون للمشروع إلى حشوها في أذهان الناس، ولكن رغم ذلك، نفذ التعداد، وتحقق النجاح، فهذا يمثل انتصارا حقيقيا.
يُقال إن الرجال لا يبكون بسهولة، وإن بكوا، فإن بكاءهم لأمر جلل، ولكن في المقابل، يتحدث علماء النفس والاطباء، عن الفوائد العظيمة للبكاء، فهو لا يقل أهمية عن الضحك، الذي يُطيل العمر، كما يقولون، في حين يرى الباكون عكس ذلك، فالبكاء علامة على الحزن والهم والألم، ومن النادر أن تجد باكيا، يبكي فرحاً، أو سرورا، ففي مثل هذه الحال، تستعصي الدموع، ولا تنقاد لصاحبها، فعلامات الحزن، لا تلتقي بعلامات الفرح، وكل في فلك يسبحون!.
ووفقا لنظرية (الرجال لا يبكون) الوارد ذكرها آنفا، يحاول أولئك الرجال مغالبة دموعهم وكتم نشيجهم لكي لا يفضحهم أمام قرنائهم، فيحكموا عليهم بالضعف، وعدم القدرة على مواجهة المواقف الصعبة!. ولا أكتمكم سرا، أن كل هذه المقدمة الطويلة، حاولت من خلالها التبرير لنوبة البكاء الشديدة التي انتابتني لحظة اعلان النتائج الاولية للتعداد العام للسكان، اذ انتابني خليط من المشاعر، تشبه تلك التي يعيشها المقاتل لحظة اعلان وقف الحرب التي طال أمدها، وعلى مدى تلك الحرب كان ذلك المقاتل يقاتل بشراسة، حتى تحقق النصر، عندما وضعت الحرب اوزارها.
فعلى مدى اشهر طويلة، كان القتال شديدا، ونحن نستعد للتعداد، وكانت الجبهة الاعلامية واسعة ومترامية، الامر الذي تطلب استنفار كل الطاقات والامكانات المتاحة لإدامة زخم الحرب، من دون اللجوء الى استخدام الاسلحة المحرّمة، في وقت لجأ (الخصوم) الى استخدام تلك الاسلحة على نطاق واسع (الشائعات المغرضة- الكذب- التدليس- تخويف الناس).
كانت لحظة اعلان النتائج الاولية للتعداد، تمثل بيانا رسميا، بالانتصار، فإنْ تنجح الدولة في اجراء تعداد سكاني شامل بعد غياب ناهز الاربعة عقود، في ظل ظروف لم تكن مثالية بالمطلق، فهذا يمثل انتصارا حقيقيا، وأنْ تنفذ الدولة مشروعا مثل مشروع التعداد، يُصنّف عالميا، بأنه الأصعب والأضخم على مستوى الحكومات، وسط مخاوف الناس، تلك المخاوف، التي سعى المناهضون للمشروع إلى حشوها في أذهان الناس، ولكن رغم ذلك، نُفِذ التعداد، وتحقق النجاح، فهذا يمثل انتصارا حقيقيا.
ولأني كنتُ جزءاً من غرفة العمليات، فقد كنت أدرك تماما حجم الجهد والجهاد والصبر والانتظار والسهر والقلق، والخوف، والترقب، والحذر، ثم يتحقق الانتصار، فتلك لحظات لا يمكن معها حبس الدموع، ولا كتم صوت النشيج.
ربما لا أحد يتصور أو يتخيل هول  الضغط الاعلامي، لاسيما في ليلتي حظر التجوال، فعلى مدى أكثر من ٧٢ ساعة، لم أعرف خلالها للنوم طعما، بسبب الإرهاق والقلق، وفي الغرفة الاعلامية، هناك عشرات القنوات التلفزيونية، ووكالات الأنباء، والمواقع الخبرية، كلهم جميعا كانوا يريدون إجراء لقاءات ومعظمها كانت بثّا مباشراً،  ورغم ذلك، كنت حريصا على أن استجيب للجميع، ولا أبخل عليهم بالمعلومة او الاضاءة على ما يسعون اليه، لأني أدرك تماما، أن وجودهم وتواجدهم معنا، انما هو  دعم لنا وللمشروع.
شكرا لجميع مؤسساتنا الاعلامية، والزميلات والزملاء الاعلاميين والصحفيين في كل أرجاء الوطن، الذين بذلوا جهودا استثنائية، في مشروع استثنائي، هو مشروع التعداد السكاني، وشكرا لأهلنا العراقيين، لموقفهم المشرّف واستجابتهم الواعية، لهذا الاستحقاق الوطني الكبير.
ومن أجل ذلك كله، انهمرت دموعي فرحاً، متزامنة مع انهمار غيث الله، الذي روى الأرض والنفوس أملا بغدٍ أبهى وأنمى وأحلى، وأظنها كانت لحظة تاريخية تستحق أن تنهمر لها دموعي فرحا.
وللحديث بقية