بغداد: غيداء البياتي
تلجأ منى الأطرقجي، أمٌّ الطفل كرم البالغ من العمر ثلاث سنوات، إلى سرد القصص الخياليّة التي تتضمن شخصيات حيوانيَّة لتهدئة صغيرها وتحفيزه. وتقول: «كلما شعرَ كرم بالضجر أو قبل النوم، أقرأ له القصص التي تحتوي على شخصيات حيوانيَّة، وأحرص على تقليد أصوات هذه الحيوانات لجذب انتباهه وزيادة تفاعله مع القصة».
وتضيف: «لقد قرأتُ العديد من الدراسات عن كيفيّة وصول المعلومة للأطفال في هذه المرحلة العمريَّة، ووجدت أن أفضل وسيلة هي سرد القصص باستخدام شخصيات حيوانيَّة، لأنّها تكون ممتعة ومؤثرة في الأطفال في السنوات الثلاث الأولى من حياتهم.»
تستعين منى أيضاً بـ ألعاب على شكل حيوانات تحرّكها أثناء سرد القصة، مما يعزز الخيال لدى كرم ويزيد من تفاعله مع القصة. على سبيل المثال، تقوم بتقليد صوت الأسد أو القطة أو الكلب أثناء سرد القصص، ما يساعد كرم على التفاعل والتفكير في أحداث القصة، ويجعله يركز أكثر في النهاية التي ترافق كل قصة.
من جهة أخرى، تحكي رفقة شوقي، والدة الطفل حمودي (الذي يبلغ من العمر 6 سنوات)، كيف أنَّ ابنها يعشق فيلم المغامرات الذي يحتوي على شخصيات حيوانات مثل الأسد والنمس والفيل، حيث يقول حمودي: «أحب هذا الفيلم، خاصة الأسد والفيل الكبير»، تشير رفقة إلى أن هذا الفيلم يُدّعى «اتحاد الحيوانات»، وهو فيلم كوميدي ألماني برسوم متحركة، يعرض مغامرات حيوانات في الغابة. ولكن رفقة تحرص على أن تُعدّل المفاهيم التي يتعلّمها حمودي من هذا الفيلم، فتُضيف بعض الدروس الأخلاقيّة وتغرس فيه قيماً تربويّة، مثل أهمية مساعدة الآخرين والاهتمام بالبيئة والمجتمع. وتقول: «أنا وأطفالي نحب الحيوانات، لكن يجب أن أحرص على أن تكون القصص تربويّة وتعليميّة بحيث تسهم في تقويم أخلاقهم وتنمية خيالهم وفقاً لعادات وتقاليد مجتمعنا.»
شخصيات الحيوانات لا تقتصر على كونها مجرد أدوات للترفيه، بل إنّها تتحول إلى وسيلة تربويّة فعّالة، كما ترى رفقة شوقي. وتؤكد على أهمية أن تكون القصص قصيرة، مع معلومات قيمة ومناسبة لعمر الطفل، وتتناول شخصيات مألوفة مثل الحيوانات أو أفراد العائلة، ما يجعلها أكثر قرباً للطفل وأسهل في فهمها. وتضيف: «الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة يحتاج إلى قصص ممتعة ولكنها في الوقت نفسه تعليميّة، وهذا ما تحققه شخصيات الحيوانات.»
من جانب آخر، يؤكد حسين علي صالح، رئيس فرقة المسرح الجوال للطفل، أنّ الأطفال في سنّ ما قبل العاشرة يتأثرون بشكل كبير بشخصيات الحيوانات في القصص. حيث يقول: «في بداية حياة الطفل، قبل أن يتم عامه الأول، تجذب شخصيات الحيوانات انتباهه أكثر من الشخصيات الإنسانيّة. فهم يحبّون تقليد أصواتها، ويرون في الحيوانات أصدقاء مقربين لهم»، ويضيف: أنَّ الأطفال في هذا العمر يتفاعلون مع القصص الحيوانية التي تتميز بالحركة والمغامرات، مثل المطاردات أو طريقة تناول الطعام، مما يتماشى مع طاقة الطفل وحبه للحركة.
ويوضح صالح أنَّ الحيوانات توفر للأطفال عالماً مليئاً بالإثارة والتشويق، من خلال صراع الحيوانات في الغابة أو الحقل، وهو أمر يجعل الأطفال في هذا العمر يتفاعلون بشكل أكبر مع القصص. كما يشير إلى أن الألوان الزاهية والحركات السريعة في القصص التي تتضمن مغامرات الحيوانات تجعلها أكثر جذباً للأطفال، خاصة في المرحلة العمرية ما بين العام الأول والعاشرة.
ويضيف صالح أنَّ الأطفال في سن الـ 11 عاماً يتغيّر انطباعهم عن الشخصيات، إذ يتحول اهتمامهم من الحيوانات إلى الشخصيات الإنسانيّة، وهذا ما أكدته دراسة قدمها الباحث الدكتور هال هيرزج عام 2019، حيث أظهرت الدراسة أنَّ الأطفال في هذه السن يفضلون التفاعل مع الأصدقاء أكثر من التفاعل مع الحيوانات.
أداة فعّالة لتحسين المهارات
أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات مثل التوحد، فقد أشار د. حيدر المالكي، استشاري الطب النفسي، إلى أن سرد القصص باستخدام شخصيات حيوانيّة وتقليد أصواتها يمكن أن يكون أداة فعّالة لتحسين مهارات الأطفال الاجتماعيّة والعقليّة. وأوضح المالكي أنَّ دراسة حديثة من جامعة بليموث في المملكة المتحدة أظهرت أن شخصيات الحيوانات في القصص تلعب دوراً كبيراً في تطوير مهارات التواصل وفهم العالم من حولهم، إذ تكون أكثر فاعليّة في مساعدة الأطفال على تفسير الواقع والبيئة المحيطة بهم.
وأشار المالكي إلى أن شخصيات الحيوانات تقدم للأطفال أنموذجاً غير بشري يسهل عليهم التفاعل معه وتفسيره، مما يعزز من نموهم العقلي ويُسهم في تعليمهم المهارات الاجتماعية بشكل طبيعي
وفعّال.