سعد العبيدي
شهدت مدينة حلب السورية في لحظة دراماتيكية سقوطًا سريعًا بيد فصائل معارضة للنظام، بعضها مصنف إرهابيًا، دون أي مقاومة تُذكر من القوات النظامية وحلفائها التي تدافع
عن المدينة والمنطقة. مشهد يُعيد للأذهان ما حدث في الموصل عام 2014 عندما اجتاحتها عصابات داعش الإرهابية بطريقة مشابهة، مما يثير تساؤلات حول أوجه التشابه، وأسباب الانهيار السريع في كلا الحالتين.
كان لانسحاب الجندي النظامي السوري من مواقعه في حلب دون قتال، وبلا أوامر واضحة من قيادته، أثرٌ كبيرٌ في تسريع سقوط المدينة. سلوك يعكس خللًا داخليًا يتمثل في ضعف الإعداد الوطني والمعنوي للجنود، وعدم ترسيخ الانتماء أو الثقة في القيادات العسكرية والسياسية للدولة. إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل العامل الدولي المؤثر في سوح القتال الداخلية. الذي يوفر في المعتاد الدعم الخارجي بمختلف أشكاله - سياسيًا وعسكريًا – ويغير في موازين القوى على الأرض، ولما يتعلق بحلب بدا واضحا أن هناك توافقًا خارجيًا تركيًا، روسيًا، واسرائيليًا سمح بحدوث هذه الانهيارات أو حتى أسهم في حصولها، مما يفتح الباب للتساؤل عن طبيعة التدخلات الإقليمية والدولية في منطقتنا المعروفة بعدم استقرارها ومدى تأثير هذه التدخلات على المستقبل
وعلى البناء والاستقرار.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، تبرز الأخطاء الداخلية التي أسهمت من جانبها بحصول هذا النوع من الانهيار كعوامل رئيسية يجب معالجتها، مثل ضعف التنسيق الأمني بين القوات السورية والحليفة، وعدم تيسر الاستخبارات اللازمة لرصد تحركات العدو وأهدافه ميدانيًا واستراتيجيًا، وسوء التخطيط العسكري، وغياب التأهيل الفكري والمعنوي للجندي... أخطاء تتطلب مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والعسكرية، والتحسب لما هو قادم، خاصة من جانب العراق، في ظل قربه الجغرافي وتشابك مصيره مع سوريا، وتتطلب أيضًا مراجعة للحسابات الداخلية والعلاقات العامة مع الطوائف والاقوام، وتعزيز الجبهة الوطنية، ومعالجة أوجه القصور، خطوات حاسمة لمنع تكرار مثل هذه السيناريوهات مستقبلاً، وضمان استقرار البلاد في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي لا تنتهي عند معركة حلب، كما لم تنتهِ من قبل عند حدود معركة الموصل.