العفو عند المقدرة

آراء 2024/12/04
...

 علي الخفاجي

 

مررنا نحن العراقيين وعلى مدى العقود الماضية بكثير من المنعطفات والكبوات لأسباب كثيرة، منها ما كان بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الأمور، واستمر الحال هكذا إلى ما بعد تغيير النظام فلا مؤسسات حكومية ولا نظاما مؤسساتيا، وأصبح الوضع العام عبارة عن خــــَــــربة تتخللها فوضى عارمة، وانتج ذلك بلدا بلا بنى تحتية ومستقبلا غامضا وشديد العتمة، وكنتيجة طبيعية لسوء تصرف وحماقات النظام السابق، هو ما أودى بنا إلى هذا الحال حيث وعدَ وبأكثر من مناسبة قبل خلعه من السلطة وحسب قولته المشهورة (الا نسويهه تراب) في إشارة منه لجعل البلد مدمرا بشكلٍ كامل وهذا ما حصل بالفعل.  بتقادم الأيام وتشكيل الحكومات المتعاقبة ما بعد عام 2003 تغير الحال وتسارعت الأحداث، ونتيجة الحرية المفرطة التي ساءَ استخدامها العراقيون بدت الأمور أكثر فوضاوية، فكلاً يعمل ويخطط حسب هواه ويعمل ما يريد دون حسيب ورقيب، وفي ظل هذا التوهان، واذا بالعراقيين يتفاجئون بموضوع إشراكهم وإقحامهم بتقرير مصيرهم، من خلال الانتخابات، وأصبح لهم الحق باختيار من يمثلهم داخل مجلس النواب، وقبل ذلك التصويت على دستور عراقــي يضمن لهم المكتسبات والحقوق، هنا ونتيجة الكم الهائل من الصدمات الديمقراطية، إن صحت تسميتها والتي لم يعتد عليها المواطنون، أصبح الأمر يتداخل عليهم وأمسوا في كثير من الأحيان لا يميزون بين الإيجابي والسلبي وفي أحيانٍ أخرى ذهبوا في متاهات طائفية وعنصرية وقومية كانوا في غنى عنها، قد يلاحظ المهتمون بالشأن السياسي على أن تشريع القوانين داخل مجلس النواب يسير في اغلب الأحيان، وفق أهواء هذه الكتلة أو ذاك الحزب وليس للضرورة القصوى والحاجة الحتمية، لذلك القانون أو هذا التشريع، فكثير من القوانين تــــُـشرع وتركن داخل الأدراج إلى أن يحين وقتها المناسب، وهذا ما نحن بصدده حيث وعلى الرغم من محاولات تمرير قانون العفو العام والذي عُدل لأكثر من مرة، والذي كان باستطاعة الأطراف السياسية أن تتوافق وتقرر هذا المشروع، لكن بقي الحال كما هو عليه لاستخدامه في أوقاتٍ أخرى، وذلك لعدم وجود قدرة على إقناع الأطراف السياسية على تمريره بعد أن كان من الضروريات بالنسبة لبعض الأطراف، خصوصاً بعد دخول العصابات الإرهابية للعراق، ومنذ ذلك الحين اختلطت المفاهيم عند غالبية اطراف المعادلة السياسية، فمنهم من اراد تعديل القانون ليتم فرز من عـُــدَ إرهابياً بالفعل نتيجة اقترافه أعمالا إرهابية وأعمال قتل وتهجير، ومنهم من طالب بتمرير القانون دون تعديل، ومن ذلك الحين بدأت الاعتراضات تزداد وبدأت أزمة الثقة تتغلغل أكثر وأكثر داخل العمق السياسي، لأن كثيراً ممن يعتقدون بأن أكثر ممن أطلق عليهم إرهابيون هم بالحقيقة أبرياء، انتزعت اعترافاتهم بالقوة خلال مرحلة التحقيق، وبين هذا وذاك اليوم نشهد قرب مرحلة المصادقة على قانون العفو العام بعد أن تمت قراءته داخل أروقة مجلس النواب، وبدأ الحديث بعد أن كان سرياً اصبح ينتشــرُ بشكلٍ علني، وهو إن هذا القانون ستتم المصادقة عليه، وسيتم التصويت عليه حال المصادقة على مشروع قانون الأحوال الشخصية، وهنا استخدم مبدأ المساومة وتمت المقايضة بين هذا المشروع وذاك، واذا ما صدق القول بأن مثل هكذا أمور تحدث داخل المؤسسة التشريعية، فنكون أمام منحدر تشريعي كبير، لأن الأرواح والمصائر تكون تحت رحمة مساومات السياسيين دون النظر إلى الكيفية القانونية للتشريع، وحينها لا بد لنا أن نقرأ على الدنيا السلام ونودع النظام الديمقراطــي من غير رجعة.