لايمكننا أن نقول إنّنا نكتب منقادين الى ماضٍ مندثر ولا يمكن لغيرنا أن يفعل ذلك تحسباً من تكرار ذاته وذوات الاخرين، وإلّا سنكون بالنتيجة نكتب صوراً مستنسخة لنتاجات الاخرين وتناصاتهم التي كثرت، اذاً لا بدَّ من مواكبة روح العصر واستلهام حداثاته، اوروبا بدأت تهتم بالحداثة مطلع القرن العشرين وهناك من يقول قبل القرن العشرين حتى، وصارت تتقدم ابتداءً من التكنولوجيا واستفحال هيمنة الآلة على سلم تطور المجتمع العلمي وصولاً الى المعارف والفلسفات والفكر والادب، بينما ظل العرب يدورون حول اماكنهم القديمة واطلالهم وخرائب حياتهم وبناهم التحتية الواهية، لهذا صرت ومعي اجيال من الذين سبقوني ابتداء من جيل الستينيات وربما قبله بقليل لدى بعض الاسماء الراسخة في السرد والشعر نكتب بحمى الحداثة والتجديد في مختلف الاجناس الادبية، ومبدأنا ومنارنا في ذلك هو التجريب وروح العصر المتجدد، بل حتى الحداثة الان اصبحت محطة قديمة امام ما بعد الحداثة وغياب المركزيات الكبرى على الرغم من ان البعض يرى ان ما بعد الحداثة مازال مصطلحاً ملتبساً خاليا من الدلالة فقد جرى استعمالها لفترة طويلة كافية لكي تحقق على اقل تقدير قواماً اساسياً يرسّخ تحديد تعريف لها ويرى معظم الدارسين انه تتوفر مجموعة من الملامح التي تميز الثقافة المعاصرة والتي اذا ما اتخذت معاً يمكن ان يطلق عليها اسم ما بعد
الحداثة.
على اية حال هذا هو حال الحياة التي ينبغي ان نتساير معها ولا ادب جاد ومطلوب ما لم يكن مرافقاً لنهج الحداثات المقبلة والمقتحمة بشدة قلاعنا المتداعية كل يوم، لهذا صار ما اكتبه مثلاً من شعر وسرد موسوماً بميسم الحداثات وما بعدها شئت ذلك ام ابيت، وانا اعتقد جازماً اننا في العراق نتسابق كلنا في حلبة الحداثة وصنع احداثها وتقنياتها في الادب من غير ان نفكر ولو لمجرد التفكير اننا نغض النظر عامدين عن الثقافة والتصنيع والتكنولوجيا الوافدة لنا كل يوم معتبرين انفسنا برضى مبالغ فيه اننا سوق استهلاكية هائلة تمتد الى اقصى الوطن، نستهلك كل شيء وصولاً الى ما نأكل ونشرب، لذلك تبقى اصالة الاداة بعيدة عنا نحن المستهلكين لثمارها، وانا اعتقد ان الكاتب الغربي حين يكتب عن مجتمعه فانه يكتب بامتلاء ومعرفية تامة خصوصاً حين ينظر الى توافر العناصر الوجودية التي طوّرت أركان المجتمع الغربي وحولته الى مجتمع منتج مزدهر صانع للحضارات العظيمة، لهذا خرجت من معطف تلك الحضارات روايات وادب وشعر
عظيم.