محمد علي الحيدري
مع سقوط نظام بشار الأسد ودخول المعارضة إلى العاصمة دمشق، تجد سوريا نفسها على أعتاب مرحلة جديدة تحمل في طياتها وعودًا بالتغيير، لكنها أيضًا تفتح الباب أمام تحديات معقدة. فانهيار النظام الذي حكم البلاد لعقود يضع المعارضة أمام اختبار تاريخي لإدارة هذه اللحظة المفصلية، في وقت تتسارع فيه التحركات الإقليمية والدولية لتحديد ملامح المستقبل السوري.
السيناريو الأكثر ترجيحًا في المرحلة الحالية هو تشكيل هيئة حكم انتقالية تعمل على ملء الفراغ السياسي وضمان استقرار البلاد، مع التحضير لانتخابات حرة ونزيهة. كما أن المعارضة التي باتت تتحمل مسؤولية إدارة الدولة، تواجه ضغوطًا كبيرة لتقديم رؤية موحدة وشاملة تحظى بثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي.
ومع ذلك، فإن تعدد الفصائل المسلحة والانقسامات داخل المعارضة قد يشكل عائقًا أمام تحقيق هذا الهدف، مما يثير مخاوف من حدوث صراعات داخلية جديدة تعيق الانتقال السلمي للسلطة.
في هذا السياق، تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في صياغة ملامح المرحلة الانتقالية. فتركيا، التي دعمت المعارضة بشكل كبير، ستسعى لتعزيز دورها في سوريا، لا سيما في المناطق الحدودية والشمال السوري. من جهة أخرى، قد تعيد روسيا وإيران النظر في استراتيجياتهما بعد انهيار النظام الذي كانت تدعمانه، وهو ما قد يفتح المجال أمام صراعات جديدة على النفوذ. كذلك، ستكون الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، لاعبًا رئيسيًا في إعادة ترتيب الأوراق من خلال تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لإعادة الإعمار، مع وضع شروط لتحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في الجرائم خلال الحرب.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه سوريا في هذه المرحلة الانتقالية هو إعادة بناء الدولة على أسس جديدة. فمؤسسات الدولة التي تآكلت بفعل الصراع تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة تضمن مهنيتها وحيادها. في الوقت نفسه، فإن تحقيق العدالة الانتقالية سيكون مطلبًا أساسيًا للضحايا وأسرهم، مع ضرورة ضمان أن تكون هذه العملية عادلة وشفافة، بعيدًا عن الانتقام أو التصفية السياسية.
إلى ذلك فان الخلافات الإقليمية والدولية ستلقي بظلالها الثقيلة على مستقبل سوريا. والتنافس بين القوى الكبرى، سواء من خلال دعم فصائل محددة أو التنافس على مشاريع إعادة الإعمار، قد يعرقل أي تقدم نحو استقرار حقيقي. استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي قد يزيد من تعقيد المشهد، بينما يستمر الشعب السوري في مواجهة كارثة إنسانية هائلة تتطلب استجابات عاجلة.
سوريا، وهي تقف على مفترق طرق تاريخي، تحتاج إلى قيادة حكيمة وشجاعة لإدارة المرحلة الانتقالية بنجاح. توافق وطني حقيقي بين جميع المكونات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، قد يكون المفتاح الوحيد لإنهاء سنوات الصراع الطويلة. ومع ذلك، فإن الطريق نحو بناء دولة ديمقراطية مستقرة لا يزال محفوفًا بالعقبات التي تتطلب عملاً دؤوبًا وإرادة سياسية قوية لتجاوزها.