سياسات الأسد العبثيَّة

آراء 2024/12/11
...

 د. أثير ناظم الجاسور

بعد احداث العام 2003 والفراغ الطبيعي الحاصل في العراق، وبعد أن ثبتت الولايات المتحدة الامريكية دعائم سيطرتها، بدأت بعملية التصنيف بالنسبة لدول جوار العراق بين شريرة ومُهددة.. الخ.
وكانت سوريا واحدة من هذه الدول، والتي أيضا عارضت هذا الاحتلال لا لأجل العراق، إنما للضرورات السياسية والأمنية والعسكرية، التي قد تكون مؤثرة فيما بعد على الوضع السوري تحديداً النظام، هنا في تلك اللحظات الاقليمية والدولية كان العراق على موعد أن يكون الساحة المناسبة لتصفية الحسابات مع الخصوم في المنطقة، فضلاً عن أن العراق أصبح منطقة جذب للجماعات المسلحة المعادية للمشروع أو السياسة الأمريكية، فالحدود الشمالية الغربية تحديداً من جغرافية العراق، هي المنطقة الرخوة لعدة أسباب أولها التماهي الأمريكي مع مسألة حماية الحدود لسبب الجذب المذكور، والثاني إرادة النظام السوري، الذي شعر بالخطر على وجوده طالما أصبحت الولايات المتحدة جارة مباشرة له بالتالي لابد من ضرب النموذج الخ... من الأسباب الامنية والسياسية، بالمحصلة مجموعة أسباب رسخت فكرة العداء الصريح والمباشر بين امريكا وسوريا، فضلا عن عدم اكتراث الطرفين لحال العراقيين في تلك المرحلة الحرجة.
لم يكن النظام السوري متفرجا ولا حتى دخل حوارات وتفاهمات مع القوى الكبرى لتحصين حاله السياسي، لغرض استثناءات قد يرغب في تحقيقها، بل راح بتخصيص مناطق معينة من سوريا لتدريب وتجهيز المقاتلين بجنسيات مختلفة وإرسالهم للعراق على شكل دفعات وتسهيل عملية العبور، وهذا ما اكدته المصادر الأمنية العراقية ولجنة الأمن والدفاع العراقية منذ العام ٢٠٠٥ من خلال تقرير يؤكد تورط النظام السوري في العمليات الارهابية، التي تعرضت لها المدن العراقية، وشاهدنا وقع ما حصل في الداخل العراقي من دمار وقتل وانهيار مناطق بسبب سياسة نظام الاسد وغيره من دول الجوار لدعم هذه الجماعات، بهذه الطريقة كان يعتقد النظام السوري انه في مأمن من تصدير المشروع الامريكي بالتغيير، وفي كتاب الإعلامي المصري "يُسري فوده" في طريق الاذى، ايضا يشرح الآلية التي كانت تتم فيها عملية ترتيب عبور المقاتلين إلى العراق وتمركزهم وإدارة عملياتهم، لا أعلم أن كان الأسد على دراية من أن هذه الجماعات، تعمل وفق خطوط متعددة فهي لا تمتلك مسمى الولاء المطلق لجهة أو دولة ما، فهي قادرة على قلب الطاولة في أية لحظة، وهذا ما حصل بالفعل مع أول شرارة للربيع العربي، فسوريا حالها حال كل الدول المحكومة بالحديد والنار، شعبها فاقد لأبسط الحقوق وللحريات ولكل ما له علاقة بالحياة الكريمة.
الاسد وبسياساته العبثية لم يرهق السورية فحسب، بل بات نظامه مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن هشاشة الداخل السوري السياسي والاقتصادي والاجتماعي، عوامل عدة وأسباب لا مبرر لها استمر نظام الاسد في عبثيته، حتى بات أثقل من حمل الجبال على حلفائه، بعد أن استنفدوا كل أدواتهم وهم يُدافعون عن فكرة بقائه الخاسرة، فقد وصل الحلفاء إلى النتيجة التي شاهدناها قبل أيام لا لشيء، سوى أن نظام الاسد هو نظام لا يستقيم بالمبادرة والنصيحة والعبرة، كل ما حصل في الأيام التي شهدنا فيها سقوط الأسد، هي نهاية لبدايات غير منطقية لنظام حاله حال الأنظمة العربية السابقة، التي أرهقت شعوبها والمنطقة بوجودها وسيستمر هذا الإرهاق حتى بعد رحيلها.