د. سرى غضبان*
تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم تغيرات عديدة، قد تؤثر وبشكل كبير في إعادة رسم المشهد السياسي في المنطقة ما بين حرب وسلام، كما تعددت الاستراتيجيات المتبعة في المنطقة، ولا يمكن التغافل عن دور العامل التكنولوجي في الأحداث الأخيرة، حيث غيرت التكنولوجيا من استراتيجيات وتكتيكات الحروب الحديثة، فقد لعبت دوراً بارزاً في جمع المعلومات والتواصل والدعاية للتأثير على الرأي العام، وفي الجانب العسكري بات الاعتماد واضحاً، مثل الطائرات الحربية المتقدمة، والصواريخ الذكية عالية الدقة، أما الطائرات المسيرة (الدرونز)، فكان لها الدور الأساسي والأهم في الهجمات الأخيرة، حيث يتم استخدامها للاستطلاع والهجوم، وتمتاز بميزة تكتيكية فريدة وعالية الخطورة من ناحية جمع المعلومات، أو تنفيذ الهجمات بدقة عالية، أو مراقبة الاهداف، ورصد التحركات العسكرية، كما أصبح للذكاء الاصطناعي والاقمار الصناعية الدور الفعال في جمع المعلومات الاستخباراتية الرقمية، حيث مكنت الأقمار الصناعية من الوصول والحصول على صور للأهداف الاستراتيجية المهمة الواقعة، ضمن منطقة الصراع، والقدرة على جمع وتحليل بيانات الاستخباراتية الضخمة وبسرعة وكفاءة عالية، إضافة إلى أن الذكاء الاصطناعي وفر أنظمة التحكم الذكية، التي حسنت من الأنظمة القتالية القادرة على ادارة العمليات العسكرية واتخاذ قرارات دقيقة، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي اليوم الدور الأهم في استراتيجيات الحروب الحديثة، من حيث التحشيد والتفاعل، وفي بعض الاحيان اعتماد حملات التضليل الاعلامي لجذب الانتباه، وايصال بعض الأفكار المعينة التي ثؤثر في الأمن وصناع القرار عن طريق شن كمية معلومات مزيفة تعمل على إضعاف القدرة في اتخاذ القرار، لا سيما القرارات الأمنية والعسكرية وخلق فوضى، وقد أصبحت أيضا الهجمات السيبرانية جزءاً لا يتجزأ من دائرة الصراع التكنولوجي الرقمي الحديث، فاليوم يتم الاعتماد وبشكل فعال على الهجمات السيبرانية ضد الخصم، عن طريق مهاجمة البنى التحتية للدولة، وشل الحركة بشكل تام، وباتت الهجمات السيبرانية جزءاً أساسيا من استراتيجية الصراع والحروب الحديثة، وبعض الهجمات تشن نحو الاقتصاد الرقمي للدول، فتتم مهاجمة التجارة الالكترونية للدول وشل الحركة الاقتصادية اللوجستية لها أو اختراق انظمة الملاحة وشل حركة الطيران، أو اختراقات تستهدف إلى سرقة البيانات والمعلومات، بالنهاية أصبح الاعتماد على التكنولوجيا العامل الأساسي والأهم في الحروب والهجمات الحديثة، وباتت التكنولوجيا سلاحاً ذا حدين في جوانب الصراعات والتفاعلات على الساحة الدولية، فالتكنولوجيا غيرت قواعد اللعبة، وباتت الفواعل من غير الدول أحد اهم أطراف الصراعات الحديثة، فالفضاء الرقمي اليوم خلق ساحة صراع جديدة وعميقة وخطرة ومتسارعة ومتطورة، ولا توجد استراتيجية حقيقة قادرة على مواجهتها أو ايقافها أو السيطرة عليها.
*مركز الأمن السيبراني
مستشارية الأمن القومي