رحيم رزاق الجبوري
يمتلك الطفل قدرات ومهارات فطرية وذاتية متأصلة وراسخة في مخيلته الواسعة، ويفصح عنها في بعض الأحيان من خلال خطوط غير مفهومة، وألوان مبعثرة، يرسمها على الورق أو على الجدران أو في أي مكان، لكن المختصين في علم النفس يرونها ترجمة حرفية لما يدور في دواخل الطفل من خوف أو سعادة، أو قلق، أو حزن، أو رعب أو اطمئنان وغيرها.
وسيلة التخاطب
تقول د. هدى محمود العبيدي (ناقدة وباحثة في مجال علم نفس الطفل): «الرسم هو إحدى الطرق الأولى التي يتعلم الطفل من خلالها كيفية التعبير عن دوافعه ومبتغاه وتوجهاته بصورة فنية وإبداعية، والإنسان استخدمه منذ القدم بوصفه وسيلة للتخاطب والتسجيل التاريخي والتفسير، ومن الواجب الاهتمام بقدرات الطفل الموهوب في الرسم، لأنها تحمل انعكاساً لشخصيته وبالتالي ستنعكس على المجتمع، حيث تعد من أهم الخطوات التي تنمي مهاراته الإبداعية في عصرنا الحديث، لا سيما في ظل الأجهزة الإلكترونية التي أصابت الطفل بالاغتراب الرقمي عن المواهب اليدوية.
تحفيز المخيلة
ويرى جواد العلي (فنان تشكيلي وأستاذ تربية فنية): أن «الأطفال يحبون دائماً الكتب والمجلات والقراطيس المدمجة بالصور والرسوم الكارتونية الملونة، وهذا ما نجده مدوناً في أوراقهم حين البدء برسم ما، فهذا يساعدهم على تحفيز مخيلتهم وإطلاق العنان لأيديهم، برسم شخص وأشكال يختارونها من محيطهم كنتاج لخيالهم الصغير، الذي لا يدرك بطبيعته الخط والمساحة واللون وكذلك التعبير.
بناء الشخصية
وتشير المختصة بأدب الطفل د. ضحى المسعودي، إلى أن «ممارسة هواية الرسم عند الأطفال تعتبر من الأشياء الجيدة والمهمة، فهي تنمي ذائقتهم الفنية وتوسع مداركهم، وتجعل خيالهم خلاقاً وقادراً على صنع الإبداع والتأمل، كما أنها تحرر لديهم طاقة الفن الكامنة، بالإضافة إلى تأثيرها في بناء شخصيتهم وتجعلها مميزة؛ لأن الرسم هو فن قائم بحد ذاته، فما بالكم لو مارسه الأطفال».
رغبات مكبوتة
بينما يقول ضياء مهدي (فنان تشكيلي ومتخصص في رسوم الأطفال): «إن رسوم الأطفال هي انعكاس مباشر لمجموعة من الغايات والانفعالات المباشرة والرغبات المكبوتة التي من خلالها نكتشف شخصية الطفل، ومعالجتها من خلال كشف علمي لدراسة الأشكال وتحليل الرموز والإشارات المشار إليها من خلال الخطوط والألوان والمساحات. أي إن لغة التعبير لديه تنتمي للفكرة والاختزال والخيال والتصرف والتبسيط بالشكل، وفقاً لمبدأ لغة التعبير».
دلائل
محمد يحيى جاسم (كاتب وباحث في الشأن التربوي والتعليمي)، يرى أن «تحليل هذه الرسومات يساعد أطباء التحليل النفسي والتربويين على أن يستدلوا على مشكلات الأطفال النفسية من خلال تحليل رسوماتهم العفوية والتلقائية، فالكثير من الأطفال يشردون بأذهانهم عندما يمسكون القلم، ويبدؤون بالرسم، لكن ما لا نعرفه، أن الطفل يرسم ويعبر عما بداخله، وعما يفكر ويجول بخاطره، مهما كانت وضعيته، أو نفسيته الداخلية، أو مكان جلوسه، لكن رسوماته وخربشته لها دلائل كثيرة جداً، إذ تعبّر عن شخصيته، وعن نفسيته، وعن طموحاته، وعما يفكر به، وعن أحلامه المستقبلية والحالية، وعما يكرهه ويحبّه.