ابراهيم سبتي
التعاطي مع المدرسة والتعلم ليس حالة متساوية حتى بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة؛ فالمتفوق هو نفسه المنحدر من ذات الأسرة التي ينحدر منها الآخر غير المتفوق الذي لا يهتم أو يأبه لأي حالة تربوية أو تعليمية.
إن رعاية المتفوقين في الأسرة والمدرسة على حد سواء، التزام مهم في بناء صروح علمية، بوصفهم قيمة وكنوزاً بشرية نادرة من الواجب استثمارها ومعرفة القيمة الحقيقية لها والتمسك بها. هؤلاء يستحقون الرعاية للاستفادة منهم وتوظيف طاقاتهم وجدارتهم وإمكاناتهم الإبداعية.
رعاية الطالب المتفوق تبدأ من الأسرة ومن ثم المدرسة التي تعرف كيفية التعامل علمياً مع موهبته وتطويرها باستخدام المناهج الدراسية المعززة للحداثة، وتشكل الأسرة في واقعنا الراهن ركيزة مهمة وقوية لتشجيع الأبناء على ركوب الواقع التعليمي المعاصر والدفع بهم نحو النجاح المغلف بالتفوق، أما الابن الآخر الذي يختلف كلياً عن الابن المتفوق في كل توجهاته، فإنه قد يسجل الاخفاق وعدم الرغبة في مواصلة الدراسة وربما ينظر إلى المدرسة باعتبارها بعيدة عن رغباته الكامنة التي تتمثل في الابتعاد عن الدراسة أو البقاء فيها كأي رقم لا يؤثر ولا يعطي فائدة تذكر، إن السبب الحقيقي لا يتمثل في الأسرة كما يظن البعض، بل إنها حالة تنتاب الطالب الذي ينبت في الأسرة ذاتها، وينهل من الوصايا وسيرة التربية نفسها، إنها طفرة نوعية تشكل حالة غريبة في صناعة المشهد التربوي داخل الأسرة نفسها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المدرسة قد تمنح ما تستطيع إلى هذا الطالب الذي يدير وجهه وعقله ولا يمنح نفسه وقتاً للفائدة وتنشيط العقل والذهن وزرع حب الدراسة، إنه من يتفادى وبقوة كل ما من شأنه تقبل الفائدة وترسيخ المعلومة في ذهنه المنشغل بأمور أخرى خارج بناية المدرسة.
بعيداً عن العنف
الأسرة هنا مهما بذلت من جهود لإعادة الابن إلى واقع الدراسة والاستفادة منها، فإنه من الضروري عدم استخدام العنف في التصرف والتعامل معه؛ لأنه سيعود بنتائج عكسية تماماً، وعلى الأسرة أن تكون متيقنة تماماً من وجود فوارق في الاستيعاب ونوعية التفكير والتعاطي مع القضية التربوية، وهذه الفوارق ليست سلبية على الأسرة، إنما هي حالة موجودة رغم تفاوتها من أسرة إلى أخرى، وعلى أولياء الأمور أن يكونوا اكثر حذراً في التعامل مع الأبناء داخل الأسرة وألا يتعاطوا مع المتفوق على أنه أفضل من أخيه، لكي لا يُخلق شرخ في جدار الأسرة وبذلك سنخلق مشكلة أخرى، ويخبرنا التاريخ بأن الكثير من العلماء وأصحاب الشأن كانوا يسجلون الاخفاق تلو الآخر في بداية حياتهم، لكن البوصلة تغيرت لديهم وتحدوا الظروف وراحوا يحققون النجاح تلو الآخر، فالنجاح ليس حالة صعبة ومعقدة وبعيدة المنال، إنما هو هاجس موجود في داخل كل متعلم أو كل إنسان وبالتالي يحتاج إلى من يحفزه لإطلاق الموهبة والتميز، لذا ليس غريباً أن نجد في الأسرة المتفوق وغير المتفوق، فكلاهما ينهلان من منبع واحد داخل الأسرة إلّا أن توجهات ورغبات كل منهما تختلف في التعاطي والتعامل مع المدرسة والحالة التربوية، حقاً إنها مفارقة تربوية يعاني منها أولياء الأمور ومن ثم تعاني منها المدرسة التي تبذل الجهود لكل المتعلمين وبالقدر
نفسه.