الاختفاء الغامض لأجاثا كريستي

ثقافة 2019/07/01
...

كتابة / تينا جوردان
ترجمة/ أحمد فاضل
في  يوم  الجمعة 3 ديسمبر / كانون الأول  1926، اختفت  كاتبة  روايات  الجريمة  الإنكليزية  الشهيرة أجاثا كريستي من  منزلها في بيركشاير، لقد شكل هذا الاختفاء مادة اخبارية دسمة  لصحف التابلويد،  فما  هي الحقيقة وراء  اختفائها؟ 
ففي وقت  قصير  بعد  الساعة  9:30  من  مساء ذلك التاريخ، نهضت أجاثا كريستي من كرسيها وتسلقت الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني من منزلها فقبلت ابنتها النائمة روزاليند وهي في السابعة من عمرها وعادت إلى الطابق السفلي مرة أخرى ثم ركبت سيارتها لتنطلق  في الليل نحو المجهول الذي غيبها أحد  عشر يوماً، اختفاؤها هذا سيشعل  واحدة من أكبر المطاردات التي عرفتها بريطانيا على الإطلاق، كانت أجاثا  كريستي كاتبة مشهورة بالفعل وتم تكليف أكثر من ألف رجل شرطة  بالبحث عنها وتقصي أخبارها إلى جانب مئات المدنيين، ولأول مرة  شاركت الطائرات أيضاً  في  البحث، وقد حث وزير الداخلية وقتها ويليام جوينسون هيكس الشرطة على إحراز تقدم أسرع في العثور عليها وتم البحث عن اثنين من أشهر كتاب الجريمة في بريطانيا، السير آرثر كونان دويل، مخترع شخصية شيرلوك هولمز،  ودوروثي  سايرز  مؤلف  سلسلة  اللورد  بيتر ويمسي، إذ كان يؤمل أن تساعد معرفتهم المتخصصة في العثور عليها.
لم تستغرق الشرطة وقتاً طويلاً لتحديد موقع سيارتها فقد تم العثور عليها  في منطقة مهجورة على منحدر حاد في نيولاندز كورنر بالقرب من جيلفورد، لكن لم يكن هناك أي دليل على وجود أجاثا كريستي نفسها ولم يكن هناك أي دليل على أنها كانت متورطة في حادث، ومع تقدم اليوم  الأول من التحقيقات إلى اليومين الثاني والثالث، لم تظهر أي علامات على ذلك  فبدأت التكهّنات تتصاعد وكان  للصحافة  دور  كبير  في  ذلك، إذ  تم ابتكار نظريات كثيرة حول ما قد يحدث، منها قالت بانتحارها، ومع ذلك  لم يُعثر على جسدها، ويبدو أنّ الانتحار كان في غير محلّه، لأنّ حياتها المهنيّة  كانت  متفائلة  جداً وكانت روايتها السادسة "مقتل روجر أكرويد" تباع بشكل جيد، ومن بين ما تناولته الصحف الأخرى ظهور كاتبة  الجريمة كريستي وابنتها روزاليند في مقال يتحدث عن  الاختفاء الغامض  لها، وأن  الحادث لم يكن  أكثر من حيلة دعائيّة، وهي حيلة  ذكية  للترويج  لكتابها الجديد، بينما ألمحت صحف أخرى إلى قيام زوجها أرشي كريستي  بقتلها بتحريض من
عشيقته  .
ومن طريف ما يذكر أن آرثر كونان دويل حاول استخدام قوى خارقة لحل  اللغز، إذ أخذ واحدة من قفازات كريستي إلى قارئة كف مشهورة على أمل أن تقدم إجابات، لكنها لم تتوصل إلى نتيجة وبحلول الأسبوع الثاني من البحث انتشر الخبر في جميع أنحاء العالم حتى أنّها جعلت الصفحة الأولى  لصحيفة نيويورك تايمز، وفي 14 ديسمبر/كانون الأول أي بعد 11 يوماً كاملاً من اختفائها، تم تحديد موقع أجاثا كريستي أخيراً إذ تم العثور عليها  بأمان وبصحة جيدة في فندق هاروغيت، لكن في ظروف غريبة لدرجة  أنها أثارت أسئلة أكثر من الإجابة عنها، إذ لم تتمكّن كريستي نفسها من تقديم أي أدلة على ما حدث، لم تتذكّر شيئاً، وقد ترك الأمر للشرطة لتجميع ما حدث فتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنّ أجاثا كريستي قد غادرت المنزل وسافرت إلى لندن بعد أن حطمت سيارتها في الطريق واستقلت بعد ذلك  القطار إلى هاروغيت في مقاطعة نورث يوركشاير، وعند وصولها إلى المدينة استأجرت غرفة في فندق سوان هيدرو –الآن، فندق أولد سوان -  بدون أن تحمل أية أمتعة لها، ومن الغريب أنها استخدمت الاسم المفترض تيريزا نيل عشيقة زوجها .
كانت مدينة هاروغيت ذروة الأناقة في العشرينات من القرن الماضي  صاخبة ولاهية بناسها ومليئة بالأشياء الصغيرة العصريّة، فلم تفعل أجاثا كريستي أيّ شيء لإثارة الشكوك لأنّها انضمت إلى جوقة المحتفلين من  الراقصات والراقصين، لكن في نهاية المطاف تم التعرّف عليها من قبل أحد لاعبي البانجو في الفندق بوب تابين الذي نبّه الشرطة فقاموا بإبلاغ  زوجها العقيد كريستي الذي جاء ليأخذها على الفور، أجاثا كريستي لم تتحدث أبداً عن الأيام الأحد عشر المفقودة في حياتها، وعلى مر السنين  كانت هناك تكهّنات كثيرة حول ماحدث بالفعل بين 3 و 14 ديسمبر 1926.
لكنها لم تعد مستعدة للتسامح مع زوجها الذي  طلقته عام 1928 وتزوّجت لاحقاً من عالم الآثار البارز السير ماكس مالوان، ربما لن نعرف أبداً ما حدث في تلك الأيام الأحد عشر المفقودة، أجاثا كريستي تركت لنا لغزاً لم يكن هيركول بوارو قادراً على حلّه .
 
عن / صحيفة نيويورك تايمز