غيداء البياتي
لم تكن ليلة رأس السنة، مجرد ليلة عابرة بالنسبة لي ولعائلتي، ولآلاف العائلات التي خرجت للاحتفال بهذه المناسبة، بل كانت لحظة فارقة مليئة بالعواطف، سواء في سياق التحولات الشخصية أو ما يمر به وطننا العزيز. كانت الليلة الأخيرة من عام يمضي بكل ما فيه من تحديات وأفراح، آلام وانتصارات، لتفتح أبواب الأمل لعام جديد.
قررنا قضاء هذه الليلة في إحدى المناطق التجارية وسط بغداد، حيث اكتظت الشوارع بالمحتفلين، وسادتها أجواء مفعمة بالحيوية. كان الناس من مختلف الأعمار يستمتعون بالأغاني والرقص، بينما تلك الفتاة ذات الزي الأحمر تقف مبتسمة مع أخيها، وترافقهم ضحكات الأطفال، الذين يتبعون «بابا نوئيل» في زيه التقليدي. في الجوار، كانت العائلات تجلس حول موائد المطاعم المنتشرة على جانبي الشارع، تستمتع بمشروبات ساخنة وأطعمة متنوعة، والكل يشعر بأمان نادر وسط تلك الاحتفالات.
وفي خضم هذه الأجواء الصاخبة، كان هناك رجال من الجيش العراقي الباسل يقفون بين زوايا الشارع وأركانه، يقظين وحذرين، جاهزين للتدخل في أي وقت لضمان أمن الجميع. كانوا حريصين على حماية العائلات، يحذرون الشباب من مخاطر الألعاب النارية، ويساعدون المسنين والأمهات على عبور الشارع بأمان، ويمارسون واجبهم الوطني بكل إتقان وتفانٍ. هؤلاء الجنود كانوا رموزا حقيقيين للرحمة والحماية.
في تلك اللحظة، استحضرت قول الله تعالى في سورة الفتح: «أشداء على الكفار رحماء بينهم»... هذه الآية تجسد تماما صفات الجنود الذين كانوا يقفون بحزم وحب، لحماية أبناء وطنهم، أشداء في التصدي للمخاطر، ورحماء في رعايتهم لأهلهم.
جيش العراق، الذي مر بتحديات صعبة، هو صمام الأمان الذي يضمن لنا الاحتفال بأعيادنا في أمن وسلام.
ونحن بصدد الاحتفال بالذكرى الرابعة بعد المئة لتأسيسه، لا يسعني إلا أن أبعث بأسمى آيات التقدير والإجلال لكل فرد من أفراد هذا الجيش الباسل. إن تضحياتهم هي التي تضمن لنا أن نعيش بأمان في وطننا، وأن نتمتع بكل لحظة من حياتنا. رحم الله شهداءنا، الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، وأسأل الله أن تكون الجنة تحت ظلال سيوفهم.