ذو الفقار يوسف
يراقب علي طفله الذي لم يتخط عمره العشرين يوما، ينظر إلى تفاصيله كلها، يقفز من جزء إلى آخر بمتعة وفرح يخلق على قلبه وشفتيه ابتسامة لا تنضب، يضع اصبعه على راحة يد طفله، الآخر يمسكها بضعف شفاف، ويذوب الأب بهذه السعادة بأمنيات، كانت كل آماله في تلك اللحظة أن يتوقف الوقت، في تلك اللحظة فقط أن لا يمر الوقت، أن لا تنتهي هذه السعادة، يحمله ليحتضنه برفق، كأنه يحمل قلبه، وكل جزء في صدره يقول «لا احد يستطيع ايذاءك.. سأحميك دائما»، ويخاف من قوة الاحتضان التي يزيدها حبه لطفله، لا مناص من الخوف عليه وهو بهذا الضعف، فتارة يتلمس خديه الناعمين، ويشمه من قماطه تارة أخرى، ليس هناك ما يجعل علي يكتفي، لا إشباع من حبه لهذا المخلوق الضعيف الذي جعل حضن أباه عرشا لا شبيه له.
يعم الهدوء كليا على الأجواء، كأن الكون قد سكت في حضرة هذا المشهد، فالطفل وأبوه ممتزجان، والأب يدعو الله بأشياء مستحيلة «أتمنى أن ينام داخل أضلعي إلى الابد» كانت أمنية بريئة جدا، بالرغم من عدم امكانية تحقيقها، يراقب علي أنامل طفله ويغوص في عالم الاحتمالات والتساؤلات، فيخلق له المستقبل كما يتمناه، هل سيعمل؟ ماذا سيعمل؟ كيف سيكون عندما يكبر؟ اتمنى ان يشبهني في هذا الجانب، ويستمر بسرد التساؤلات والامنيات، كأنه يسرد قصة عن طفل ولد قبل ايام ويرافقه عبر سطور هذه القصة إلى الأبد.
ومع كل هذا الاعجاز، يرى علي نفسه بعين طفله الصغيرتين، يعود لنفسه هذه المرة، ويذهب في عالم اللامبالاة الذي يعيشه الاطفال بلا ارادتهم، هذا العالم الخالي من المسؤوليات والهموم والحرمان والفوز، قلب خال من اي شائبة وعقل لا يحوي أي ذاكرة مهما كانت مهمة، وحين المسير نحو هذا العالم يتذكر والديه وهما ينظران له كما ينظر هو بعينيه إلى طفله، يندهش بحزن بسبب لا مبالاته بهذا الحب الذي لم يفكر فيه من قبل، يكرر مشهده مع طفله، ولكن هذه المرة بعين والديه اليه، يعود كطفل رضيع بقماطه وضعفه ورقته، ينظر لهما بندم ويقول «لم أكن أعرف ذلك قبل الآن.