هل أسهمت الأنثروبولوجيا العراقيَّة في التطور المعرفي؟

آراء 2025/01/13
...

 د. عبد الواحد مشعل

 يمكن الحديث عن الانثروبولوجيا في العراق في سياق معرفي أن نطلق عليه المدرسة الانثروبولوجية العراقية، على الرغم على ما يصفها البعض بأنها (مقلدة) للتراث الانثروبولوجي العالمي، وهي الإشكالية نفسها في ميدان علم الاجتماع في العراق عندما تأثر وقلد أدبيات ومنهجية المدارس الغربية، اما في حقل الانثروبولوجي في العراق فقد تمكن العلامة الدكتور شاكر مصطفى سليم أن يترجم أصول المدرسة الانثروبولوجية البريطانية بدراسات منهجية رصينة أبرزها دراسته عن دراسته الاصيلة عن (الجبايش) في جنوبي العراق

 حتى صنف بأنه واحد من ثلاثة أبرز الأنثروبولوجيين على مستوى العالم، كذلك تمكن العلامة الدكتور علاء الدين جاسم البياتي أن يجسد ما اجتهد به في مجال الانثروبولوجيا الاجتماعية في دراساته عن مجتمعات محلية في العراق أبرزها دراسته العلمية عن الراشدية، ثم دراسته الرائدة عن منطقة شثاثة في غرب العراق، مضيفاً للدراسات الريفية والحضرية الانثروبولوجية توجه وظيفي توج بنجاح علمي في البيئة العراقية، كما نجح الدكتور ابراهيم الحيدري في دراسته عن الشخصية العراقية بعد العلامة الرائد الدكتور علي الوردي، اذ درس ما ارتبط بها من ممارسات طقسية وتراثية عكست الثقافة العراقية بجذورها الثقافية، إذ رسم ملامح الثقافة العراقية ووصف الشخصية بأسلوب علمي ومنهجي، كما تمكن باحثون عراقيون بارزون أمثال العلامة الدكتور قيس النوري الذي ابدع في الانثروبولوجيا الثقافية، وقدم اسهامات علمية رصينة رسمت بوضوح خطوط الانثروبولوجيا الثقافية على خطى المدرسة الانثروبولوجيا الامريكية، كما كان الدكتور خالد الجابري يوظف بدراسته التوجه نحو دراسة الابنية الاجتماعية على وفق ما درسه جامعة اكسفورد في بريطانيا، باذلا جهودا مميزة في رسم خريطة للدراسة الميدانية، ولا سيما ما يتصل منها بالأقليات الثقافية، وقد كانت جهودهم بحق علما اجتهدوا فيه، واسهمت دراساتهم برفد المعرفة الانثروبولوجية بالكثير من الإضافات المعرفية، نقلت إلى طلابهم بشكل وأسلوب واضح، إذ نجحوا في ايصال الفكر الانثروبولوجي إلى الجامعات العراقية بطريقة منهجية، اما اليوم تواجه الانثروبولوجيا تحديات كبيرة ابرزها ما يتصل بشكلية دراساتها الميدانية، و توظيف منهجيتها بشكل ينسجم مع تطور الأنثروبولوجيا في العالم.

تبقى الانثروبولوجيا ميدانا خصبا للمعرفة الانسانية، وإن هذا الاسهام المعرفي في الانثروبولوجيا يتوقف على الخصوصية الثقافية لأي مجتمع، وقدرة الدارس على دراسة الواقع الاجتماعي دراسة تطبيقية تترجم الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله الاثنوجرافية والاثنولوجية بطريقة تمكنه من زيادة تراث الانثروبولوجيا بإضافات جديدة، يمكن أن توصف بالإنتاج العلمي الاصيل، وبهذا المعنى فإن دراسة الدكتور شاكر مصطفى سليم اضافة مميزة للدراسات الحقلية في المجتمعات شبه المنعزلة، أو التي تتميز بإيكولوجيا تميزها عن غيرها وبناء اجتماعي ينسجم مع البيئة الاجتماعية المحيطة بذلك المجتمع، كذلك لا غبار على اسهام الدكتور على الوردي عن دراسة المجتمع العراقي بعد اشتقاق فرضياته من نظريات اساسية من نظريات أصيلة في مجال الدراسات الاجتماعية، منها نظرية ابن خلدون عن الصراع بين البداوة والحضر وقد اشتقت منها ازدواجية الشخصية العراقية التي اثارت الكثر من الجدل ولا تزال، كما كان دراسته للتناشز الاجتماعي التي اشتقت فرضيتها من نظرية الهوة الثقافية أو ما يطلق عليها التخلف الثقافي للعالم الأمريكي وليم أجبرن وكذلك اشتقاق من دراسة العالم الإنكليزي هربرت ماكيفر فرضية علاقة الفرد بالمجتمع التي ساقها بكتابه المجتمع، فكانت دراسة الوردي عن الفرد العراقي ما زال صداها يشغل الباحثين، وقد نجح الوردي بعد تمكنه من تكيف تلك النظريات واختبارها على الواقع العراقي والتي اعتبرها الكثيرون اضافة انثروبولوجية، فضلا عن علم الاجتماع، والتي ميزت دراسات العلامة الوردي عن غيره من خلال تحليل ونقل المعطيات الميدانية من قاع المجتمع، حتى وصف الانماط السلوكية للشخصية العراقية وصفا دقيقا ومميزا . لا شك أن الأصالة التي تميزت بها كثير من الدراسات العراقية، ولاسيما الجيل الاول والثاني تمثل إسهاما واضحا للمعرفة الانثروبولوجية تستحق أن نفتخر بها، ونبراسا للباحثين الحاليين سواء في ميدان علم الاجتماع أو في ميدان الانثروبولوجيا.