بغداد: حسين ثغب
الحاجة تُعدُّ أحد الدوافع الأساسية للإبداع والابتكار. في حالة العراق، يبدو أن الحاجة الملحة لتوفير الأدوية محلياً قد حفزت الحكومة والقطاع الخاص على الاستثمار في إنشاء مصانع دوائية محلية. هذا التطور يُعدُّ خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأدوية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والصحية الراهنة.
وجود 18 مصنعاً دوائياً قيد الإنشاء، مع تقدم بعض هذه المشاريع إلى مراحل متقدمة، يعكس التوجه الجاد نحو بناء بنية تحتية قوية في قطاع صناعة الأدوية. وهذا سيسهم في توفير الأدوية الضرورية بأسعار معقولة وبجودة محلية تتماشى مع المعايير العالمية، فضلاً عن خلق فرص عمل وتعزيز الاقتصاد الوطني.
الخبير الاقتصادي الدولي د. سيف الحلفي قال: بدأت جهود الشركات تتضح من قبل بعض المستثمرين في خلق مصانع توليديّة دوائية في شركات ناشئة عراقية قادمة بامتياز إلى سوق العمل التنافسي، وهنا لابد أن نعلم قدرة سوق العراق للأوراق المالية على استيعاب الأفكار الجديدة القادمة بقوة من خلال الشركات العراقية الناشئة التوليدية الدوائية وإدراجها جميعاً في منصاته المتعددة سواء التقليدية أو غير التقليدية أو الإدراج المهم في منصة OTC ليدخل الاستثمار المهم من قبل جمهور المستثمرين من خلال المارد الاستثماري القادم الجديد وهو الصناعات الدوائية في العراق وما تحققه من جدوى اقتصادية كبرى للبلاد في جميع مفاصلها.
قوة اقتصادية
وأضاف الحلفي لـ “الصباح”: يجب معرفة أن الصناعات الدوائية العالمية قوة اقتصادية وصحية كونها تعدُّ من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، حيث تلعب دوراً محورياً في تحسين الصحة العامة وتطوير العلاجات والأدوية التي تُسهم في إنقاذ الأرواح أولاً، وتحقيق المنافع الاقتصادية الكبرى ثانياً، لافتاً إلى أن هذه الصناعات تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المتقدمة والبحث والتطوير وتخلق فرص عمل لجمهور واسع من القطاعات الإنمائية البشرية، ما يجعلها من أكثر القطاعات ربحية في العالم، وفقاً لتقديرات أعوام سابقة، حيث حققت صناعة الأدوية العالمية عائدات تجاوزت 1.5 تريليون دولار.
تحقيق الأرباح
وأشار الحلفي إلى أن العالم الجديد متجه بتوقعاته إلى زيادة هذا الرقم في السنوات القادمة بسبب كثرة الأمراض التقليدية أو الانتقالية أو حتى زيادة في كفاءة اللقاحات لكثير من الأمراض ، لافتاً إلى أن قدرة شركات الأدوية على تحقيق الأرباح تستند إلى عدة عوامل أهمها الابتكار، حيث تنفق الشركات الكبرى مبالغ طائلة على البحث والتطوير، ما يمكّنها من ابتكار أدوية جديدة وتحسين الأدوية الحالية، لا سيما أن الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة والنادرة، تُسهم بشكل كبير في زيادة الأرباح وزيادة الناتج المحلي للدول، كما أن براءات الاختراع توفر حماية قانونية للشركات ضد المنافسة لسنوات، مما يسمح لها بتحديد أسعار مرتفعة لأدوية جديدة دون تدخل المنافسين، كما يمكن للحكومة العراقية أن تتدخل في تحديد أسعار المنتج المحلي منها لحماية المستهلكين.
الطلب العالمي
وبين أن الطلب العالمي يرتفع مع زيادة عدد السكان وتقدم أعمارهم مما يرفع الطلب على العلاجات الدوائية في البلدان النامية والمتقدمة على حدٍّ سواء، مشيراً إلى أن الصناعات الدوائية في اقتصاديات الدول تُسهم في تعزيز اقتصاديات الدول وخاصة الاقتصاد العراقي من خلال عدة طرق منها خلق فرص العمل في قطاع الأدوية وتوفير ملايين فرص العمل في البحث والتطوير والإنتاج، والتوزيع.
ولفت إلى تنمية اختصاصات علمية تصبح الحاجة ملحَّة لتدريسها وتنويعها في الجامعات العراقية مثل أقسام الرياضيات والكيمياء والكيمياء التحليلية وأقسام البايلوجي وأيضاً أقسام الصيدلة والطب ، كما تذهب إلى زيادة العائدات الحكومية من خلال الضرائب المفروضة على الشركات الكبرى.
الصادرات المحلية
وأكد أن الصناعات الدوائية تُسهم بشكل كبير في دعم الموازنات الحكومية، حيث توفر العملة الصعبة الاستيرادية للعراق وسوف تخلق دولارات تصديرية في حالة تقدم المنتوج المحلي وقدرته على منافسة المنتوج الأجنبي في التصدير، كما تعزز الصادرات المحلية، حيث تعتمد بعض الدول مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، والهند على صادرات الأدوية كجزء كبير من إيراداتها.
وأوضح أنه في العراق، تواجه الصناعات الدوائية تحديات كبيرة، لكن مع تبني الحكومة سياسة توطين الصناعة، والحثِّ المستمر من قبل الحكومة ورئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني على تطوير هذه الصناعات الاستراتيجية، بدأت هذه الصناعات تظهر بوادر تطور إيجابي يمكن أن يُسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتحسين النظام الصحي.
مراحل متقدمة
وأشار إلى بعض الأرقام التقريبية غير المعتمدة الحالية حول الصناعات الدوائية في العراق، إذ يوجد 18 مصنعاً دوائياً قيد الإنشاء، وبعضها وصل إلى مراحل متقدمة تصل إلى 98 بالمئة.، ويوجد 76 طلباً جديداً من القطاع الخاص لإنشاء مصانع أدوية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، و 24 مصنعاً دوائياً كان موجوداً حتى نهاية عام 2022، يعمل بطاقة متدنية لتغطية 10بالمئة فقط من حاجة العراق للأدوية.
توطين الصناعة
بدوره قال المختص في الشأن الاقتصادي عقيل آل حمد : إن الأرقام التقريبية المبدئية لبرنامج توطين الصناعة الدوائية تحقق 35 بالمئة من حاجة العراق للأدوية يتم تغطيتها من الإنتاج المحلي مقارنة بـ 10بالمئة فقط عند بدء برنامج التوطين، لافتاً إلى إنتاج أدوية جديدة مثل، 28 دواء لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، و28 دواء لمرض السكري، 18 دواء لمعالجة السرطان، لافتاً إلى أنه مع استمرار برنامج التوطين وزيادة دعم الحكومة لهذه الصناعة، يمكن للعراق أن يتحول إلى مصدِّر للأدوية والمستلزمات الطبية في المستقبل القريب.
وعن دور الصناعات الدوائية في الاقتصاد العراقي أشار المختص في الشأن الاقتصادي جاسم جابر إلى أنها تُسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد، وهو أمر ضروري لضمان توفير الأدوية بشكل مستدام في البلاد ويُسهم تعزيز الصحة العامة وزيادة إنتاج الأدوية محلياً يعني توفير العلاجات بأسعار معقولة وتقليل العجز في توفر الأدوية، ودعم الاقتصاد حيث توفر الصناعات الدوائية المحلية فرص عمل وتحفز الاستثمار في البحث والتطوير والبنية التحتية.
الإيرادات الوطنية
وأكد أن تطوير صناعة الأدوية يحقق زيادة في الإيرادات الوطنية ومع تطوير هذه الصناعات، يمكن للعراق أن يصبح مصدِّراً للأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة بعد اكتمال مشروعات استراتيجية مثل ميناء الفاو وطريق التنمية ويكون لدينا بوادر فكرة الدولار التصديري.