بغداد : مقتدى أنور
بعد أسبوعين من تطبيق قرار البنك المركزي العراقي، إغلاق المنصة الإلكترونية للحوالات الخارجية، تباينت الآراء في الأوساط الاقتصادية بشأن تأثير هذا الإجراء في الوضع المالي بالعراق، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة.
ورغم الانتقادات الأولية التي أثارها القرار، يعتقد العديد من الخبراء والمراقبين أنه "خطوة ضرورية" لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها العراق حاليًا، خاصة في ما يتعلق بتقليص الضغوط على احتياطات البنك المركزي، وتعزيز استقرار سعر الصرف في السوق المحلي.
البنك المركزي العراقي، أكد أن إغلاق المنصة لن يؤثر مطلقاً في حركة الحوالات، إذ تمثل التحويلات عبر هذه المنصة حتى 23/12/2024 أقل من 7بالمئة من إجمالي المبيعات، حسبما أكد مصدر في البنك.
وأوضح المصدر لـ"الصباح"، أن "الهدف من هذه الخطوة هو ضبط العمليات المالية والعمل ضمن النطاق الدولي في عملية التحويلات الخارجية واعتماد اسلوب البنوك المراسلة، ما يُسهم في تعزيز استقرار القطاع المالي في ظل الظروف الراهنة".
كما أشار البنك المركزي إلى أن تعزيز أرصدة المصارف العراقية التي لديها بنوك مراسلة في الخارج سيستمر كما هو، موضحاً أن ذلك لا يعني إيقاف عمليات "بيع العملة"، بل هو تغير في آلياتها ضمن أسلوب متبع في جميع أنحاء العالم. وأضاف أن آلية تعزيز أرصدة المصارف قد تغيرت، إذ أصبحت تتم عبر حسابات المصارف العراقية لدى البنوك المراسلة مباشرة، بدلاً من الحسابات التي كانت تتم عبر البنك المركزي، وأن هذه الآلية الجديدة مخصصة لتلبية احتياجات الاستيراد والتجارة الخارجية من بضائع وسلع وخدمات، بما يُسهم في دعم الاستقرار المالي والاقتصادي للعراق.
من جانبه، أوضح المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح، أن البنك المركزي قام سابقاً بتمويل التجارة الخارجية عبر نافذة بيع العملة لتأدية وظيفتين أساسيتين، الأولى هي التدخل في سوق النقد لامتصاص السيولة والحفاظ على استقرار سعر الصرف، والثانية تمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص، ومع ذلك، واجه البنك المركزي تحديات كبيرة بسبب اشتراطات البنك الاحتياطي الفيدرالي والخزانة الأميركية لضمان عدم استخدام الدولار بطرق تتعارض مع السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة. وأضاف صالح لـ"الصباح"، أن "النظام الجديد للتحويلات يقوم على علاقة مباشرة بين المصارف المحلية العراقية والبنوك الأجنبية المراسلة مع تركيز على قضايا الامتثال ومكافحة غسيل الأموال".
وأشار إلى أن البنك المركزي عزز حسابات المصارف العراقية بالدولار في المصارف الأجنبية المراسلة، مما قلل من التدخل المباشر للبنك المركزي وأتاح دورًا أكبر للبنوك الأجنبية في تدقيق العمليات التجارية.
وأكد صالح أن البنك المركزي اتخذ خطوات لتنويع محفظة العملات الأجنبية بما في ذلك استخدام اليورو، والدرهم الإماراتي، واليوان الصيني، لتسهيل التعاملات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، لافتاً إلى أن الآليات الجديدة تهدف إلى تسهيل التجارة الخارجية وتعزيز الرقابة على عمليات تحويل الأموال، مع ضمان وصول السلع والخدمات إلى البلاد بشكل صحيح ودون مخالفات.
كما نوه المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء بأن "هذه الإجراءات الجديدة لا تؤثر في انسيابية تزويد حاجة الاقتصاد العراقي من الدولار، لكنها تعدُّ تطوراً كبيراً يهدف إلى تعزيز الشفافية والامتثال للقوانين الدولية والمحلية".
في المقابل، يرى الباحث المالي والمصرفي مصطفى حنتوش أن البنك المركزي العراقي يحاول تجنب الأضرار الناجمة عن تصدير الدولار من خلال تبني سياسات نقدية وإدارة العملة تضمن تقليص مسؤوليته دون التأثير في قوته المالية.
وأعرب حنتوش لـ"الصباح"، عن اعتقاده بأن البنك المركزي يسعى للابتعاد عن هذه المسؤولية عن طريق تفويض المصارف الأجنبية، التي تمتلك حسابات في مصارف المراسلة بتزكية من فروعها أو مالكيها الأجانب .
كما أشار إلى أن البنك المركزي إذا أراد تقليل الفجوة في الدولار، عليه أن يفتح باب المنافسة بين المصارف ويعتمد على سلة من العملات لتوسيع الخيارات المتاحة في السوق، داعياً إلى تعديل معايير تقييم المصارف المحلية ورفع قدراتها المالية، بما يُسهم في تحقيق الاستقرار وزيادة التنافسية، وبالتالي استقرار سعر الدولار.
كذلك اقترح إمكانية تحويل الدولار إلى منصات تداول في سوق الأوراق المالية، ليُباع للمستحقين عبر صفقات مباشرة بدلاً من إرسال الدولار حصراً إلى المصارف، مشدداً على ضرورة تنظيم هذه العمليات عبر التحول إلى سوق "الفوركس"، وتطبيق آليات تضمن عدم تحويل الأموال إلا بعد وصول البضائع بضمان المصارف.
وأوضح أن هذه الإجراءات من شأنها أن ترفع الإيرادات الضريبية وتحد من التجارة غير الشرعية، مما يُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي: إن "منصة التحويلات في البنك المركزي العراقي كانت آلية لإجراء التحويلات المالية للتجار والمستوردين عبر المصارف المحلية، إذ كانت المنصة تشرف على هذه العمليات".
وأضاف لـ"الصباح" قائلاً: "البنك المركزي هيأ الظروف اللازمة لإجراء الحوالات من خلال إقامة علاقات مباشرة بين المصارف المحلية والمصارف العالمية عبر البنوك الكبيرة المراسلة، مما يعني أنه يمكن إجراء التحويلات على وفق المعايير الدولية من دون الحاجة إلى المنصة الإلكترونية".
وبين التميمي أن البنك المركزي قام بتعويض المنصة الإلكترونية بآليات تحويل نظامية وطبيعية، عبر المصارف المحلية الرصينة، ما يوفر للتجار طرقاً مباشرة لتحويل الأموال، مؤكداً أن هذه الآليات تُسهم في حصولهم على الدولار بالسعر الرسمي، مما يساعد في تقليل التضخم بشكل تدريجي نتيجة استقرار سعر الدولار الرسمي.
كما أكد أنه "بهذا الإجراء، يتم تقليص الحاجة للتعامل بالدولار غير الرسمي في السوق السوداء، مما يعزز استقرار السوق المالي في العراق".