الغرب والشرق والبحث عن التلاقح الثقافي !!

ثقافة 2019/07/02
...

عالية طالب
بعد أن اطّلع الغرب على مؤلفات “ابن رشد” و”ابن سينا” وحكايات ألف ليلة وليلة وحي بن يقظان وعرف اسماء ابن بطوطة والسندباد البحري والبري وابن خلدون والفارابي، اكتفى بانتظار من يبادر الى ترجمة مؤلفاته بجهود شخصية أو عبر مؤسسات محدودة بمنافذ معينة لم تحقق للمتلقي الغربي ما تفعله المؤسسة الثقافية والادبية الشرقية وهي تنقل للقارئ العربي اخر اصدارات الكتاب والشعراء الغربيين، وهو ما اسهم باطلاع واسع لكل ما يصدر تباعا من مؤلفاتهم، ويمكن القول ان أول معرفة مباشرة للأدب العربي في بريطانيا حصلت منتصف القرن السابع عشر عندما برز جيل من الروّاد الاختصاصيين في اللغة العربية في جامعتي كامبردج وأكسفورد، عملوا كرّاساً باللغة العربية العام 1636. مؤخرا جرت في بغداد فعاليات “سوق الشعر” العالمي الذي يقام سنويا في باريس منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي وقد سألت “فنسنت جيمينو” مدير مهرجان سوق الشعر الباريسي عن اطلاع فرنسا والمانيا - البلدان المشاركان بالمهرجان - على النتاجات العراقية والعربية وايهما اكثر رواجا الشعر أم الرواية؟، وكنت أترقّب ان يعدد لي اسماء ادباء وعناوين كتب استوقفته  لتميزها.. لكنه اكتفى بالقول إنهم قد اطلعوا على بعض نتاجات الشعراء المترجمة بجهد شخصي منهم!! وهنا نستذكر وصف المستعرب الفرنسي آر بلانشير الشعر العربي بأنّه «بستان سري»، يتطلب الولوج إليه معرفة عميقة باللغة العربية وثقافتها.
نقرؤهم ونتابعهم ونكتب المقالات المعمّقة عن ابداعهم، وفي المقابل هم في حيز ضيق من المتابعة للإصدار العربي  ولا يسعون بجهد شخصي أو مؤسساتي للوصول اليه إلّا ان فعل هو هذا، وهو ما حصل فعليا جراء الهجرات المتعاقبة للمبدعين العراقيين في الثمانينيات والتسعينات  حين اصبحت بلاد الغرب بديلا لجمهورية الحرب واختفت خطواتهم فوق ارصفة العراق لتطبع هناك في المنافي الباردة، غاب سعدي يوسف، فاضل العزاوي، صلاح الحمداني، عبد الوهاب البياتي، محمد مهدي الجواهري، نازك الملائكة، احمد مطر، نجم والي، امل الجبوري، انعام كاججي .. فضلا عن أسماء مهمة لفنانين وتشكيليين ومعماريين امثال رفعت الجادرجي- زها حديد- محمد مكيّة- فائق حسن - نهى الراضي- رؤيا رؤوف.ومع هذا التواجد المكاني للمبدع العراقي الا اننا لا نتغافل عما قدمه المستشرقون الأكاديميون لتجسير التلاقح الثقافي عبر الترجمة، فقدّم دبليو إيه كلوستون كتاب “الشعر العربي للقرّاء الإنجليز”. تأثر الغرب بالنتاج الابداعي العربي حين وصلهم مترجما وكان ملهما لكثير من الاعمال التي عادت الينا مترجمة عن اعمال استندت على مؤلفات عربية، ومنها كتاب “حي بن يقظان” الذي اعتبر ملهما لرواية «روبنسون كروزو» لدانييل ديفو ( 1719) والتي تمزج فيها فقرات من الرومانسية الفلسفية العربية والحياة الواقعية.ويُقال ان دانتي  في (الكوميديا الإلهيّة) تأثر برسالة (الغفران) لأبي العلاء المعري بتقارب الثيمة السائدة بتناول فكرة الجنة والجحيم والعقاب والثواب. التلاقح المعرفي الثقافي هو السلام الجمالي لشعوب تسلّمت خطابا متشددا عن الاسلام والعرب وهي بحاجة لرسالة غفران حداثوية تعيد التوازن للبعد الانساني الروحي بين الكوميديا والواقع المأزوم بالاجندات السياسية التي باعدت بين الشعوب بفعل الكره والخديعة والتصدير المشوّه للعقل العربي.