الطالب بين حرية اختيار مستقبله العلمي وقيود التدخل

اسرة ومجتمع 2025/01/19
...

  بغداد : سعاد البياتي 

يشكو علي (الطالب في الثالث المتوسط) من تدخل ذويه في اختيار الاختصاص الذي يناسبه حسب تقديراتهم وحسب توجهاتهم، فكثيراً ما يتردد على مسامعه أن عليه دخول الفرع العلمي الثانوي بعد نجاحه، ويعد الأب عدته لذلك حينما عزم على إدخاله إلى معاهد تقوية متخصصة في الدروس العلمية لأجل حصوله على معدلات تؤهله للقسم أعلاه، ليعيق هذا الهاجس تفكيره ودراسته، فكل اهتماماته تنصب في المدارس المهنية التي يراها مناسبة لما يطمح إليه في دراسة اختصاص الصناعة.

علي وحسب ما صرح لنا أنه لا يمكن له اعتراض رأي والديه، ولا يريد أن يخلق المشكلات معهما، ودائماً ما يسمعهما يقولان (أنت لا تعرف مصلحتك) مع أن هذه القضية أصبحت ظاهرة معقدة للأسر تقريباً، فالأولاد غير مبالين لمستقبلهم إلا بعض الحالات النادرة، فمع تطورات الوضع والإمكانيات الأسرية تباينت المواقف وأخذ المراهق يرى أنه من الضروري أن يأخذ دوره في اختيار ما يناسبه دون اعتراض .


اللجوء للأهل

تقول منى أحمد طالبة سادس إعدادي «لطالما الأهل ذوو تجربة وخبرة في مستوانا العلمي، لا بد من الأخذ برأيهم فهم أدرى بمصلحتنا ويدركون الاختصاص الذي يفيدنا، لذا لم اعترض عما يخططون لي مستقبلاً، قد نكون مترددين ولا نملك قراراً مناسباً، فنلجأ إلى الأهل في مساعدتنا للاختيار وتحديد هوية الاختصاص أو مايرونه مناسباً لقدراتنا وطموحاتنا، لأن كثيراً من الاختيارات تأتي عن طريق الصديقات وزميلات الدراسة اللاتي يرافقننا في مراحلنا كافة».

وترى أميمة صادق أن القضية عكس ما تراها منى من حيث أن الاختيار يجب أن يحدده الشخص نفسه وليس الأهل، فهو يعرف قدراته وإمكانياته العلمية، وما يهم مستقبلاً، ولا علاقة لأي أحد في التدخل باختياراته، لأن ذلك سيؤثر في نفسيته وتفكيره، وقد يفضي أيضاً إلى رسوبه وعدم قدرته على مواصلة الدراسة في المجال الذي حدد له  .


هاجس الاختيار

يلعب الأهل دوراً كبيراً في توجهات ابنهم العلمية والدراسية، أو العكس من ذلك، ومن هذا المنطلق أوضحت سهى الطائي، أم لفتاتين في المرحلة المتوسطة، قائلة «منذ اقتراب مرحلة الدراسة، يعيش الأهل هاجس اختيار المدرسة المناسبة لطفلهم، ويكبر هذا الهاجس يومياً إلى حين بلوغه المرحلة الجامعية، حيث عليه انتقاء الاختصاص المناسب له ولقدراته وطموحاته، فمنهم من يقدر أن هذه المرحلة من العمر يجب أن توجه ويخطط لها منذ البداية لكي تجعل الطفل في المكان المناسب الصحيح، وذلك حسب الحالة المادية، فالعديد من الأهل ينسبون أولادهم إلى الدراسة في المدارس الأهلية، كي يطمئنوا عليهم وعلى مدى التهيئة الجيدة للمراحل المقبلة، وحسب الطائي على الأهل أن يعلموا طفلهم على حرية الاختيار والاهتمام بالعلم والتعليم، وألا يكونوا عرضة أمام توجهاتهم ومستقبلهم، فذلك يؤثر بصورة مباشرة في مستواهم وشخصيتهم، ومن ثم قرارهم.

ومن الجدير بالذكر أن أغلب الأهالي يجبرون أبناءهم على اختيار الاختصاص الذي 

فشلوا هم فيه أو حالت الظروف دون تحقيقه، لذلك تبدأ المشكلات والعناد فيما بينهم ويرفضون تدخل أي منهم في اختياراتهم، ليحل التمرد والاصرار ويكون الطالب في كفتي ميزان.


إقناع بواقعية

في هذا السياق، ونظراً للحالات التي واجهتها في هذا الموضوع من شكوى واحتمالات عديدة نحوها، أوضح التربوي المختص مهند المعموري، «تردنا العديد من الشكاوى من الأهل، حينما يلاحظون تدني مستوى ابنهم الدراسي حال دوامه في أحد الفروع سواء العلمية أم الأدبية، لأنهم يلعبون دوراً في الاختيار، لذا من الضروري أن يوجه الطالب حسب رغبته والمجال الذي يستهويه ويجد نفسه مبدعاً فيه، مع أن توجيه الأهل له ثوابت في الاقناع بواقعية وحسب التداول في الأفكار والاختصاصات التي ترشدهم إلى طريق أفضل لهم. ويؤكد المعموري في هذا الاتجاه أن ميول الطالب وتوجهاته يجب أن تحترم من قبل الأهل، لتعزز لديه القناعة والشجاعة في الدراسة، والعمل على تشجيع مكامن آرائه التي من المحتمل أن تبني شخصيته من خلال مساعدته في التعرف على الاختصاص قبل العمل فيه أو قبوله، ويمكن للأصدقاء أن يلعبوا دوراً كبيراً في اختيار الطالب من خلال آرائهم وانتماءاتهم العلمية التي تحبب إليهم الاختصاص المناسب الذي من خلاله يعتمد الآخر في الاختيار، وأخيراً نوجه الأهل إلى عدم الضغط على الطالب وتركه يعتمد على نفسه ويكتشف توجهاته، وألا يبالغوا في نقده ولومه، بل مساعدته لتخطي الأزمة والعبور بها إلى مجالات ناضجة ومثمرة.