أشرف كريم
كل شيء بدأ بهدوء نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، عندما أصبح الإنترنت جزءًا أساسيا من حياة الناس، وبدأت مواقع الكترونية مثل "ياهو" و"ماي سبيس" تظهر كأدوات اجتماعية بسيطة، لكن عام 2007، أطلقت أبل أول آيفون وبدأت فكرة متجر التطبيقات (App Store)، تغيرت القواعد بالكامل، فالتطبيقات أصبحت أكثر من مجرد أدوات، صارت شركات اقتصادية عملاقة، وشركات التكنولوجيا تحولت إلى قوى سياسية عابرة للحدود.
الصراع الحقيقي انطلق عام 2012، عندما الصين بدأت تتحول إلى مصنع للتطبيقات، وظهر تطبيق “WeChat” كمنصة متكاملة تجمع كل شيء، من الدردشة إلى الدفع الإلكتروني، في المدة ذاتها، كانت أمريكا مسيطرة على السوق عبر تطبيقات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، و هنا صار التنافس على المستخدمين والبيانات، لكن الصراع ظل تحت السطح. في 2018، الصراع تحول إلى حرب علنية حين بدأت أمريكا تهاجم الصين علنياً، خاصة مع تصاعد شعبية “تيك توك”، الذي كان يملك أكثر من 800 مليون مستخدم عالمي في ظرف 3 سنوات فقط، ترامب وصف “تيك توك” بأنه خطر أمني، وقال: “لن نقبل ان تكون بيانات الأمريكيين بيد الحكومة الصينية”. في العام ذاته، حاول ترامب يجبر “بايت دانس” الشركة المالكة للتطبيق الصيني على بيع "تيك توك" لشركات أمريكية مثل مايكروسوفت أو أوراكل، لكنه فشل و النتيجة؟ بدأ يهدد بحظر التطبيق بالكامل بأمريكا. بحلول 2020، صار تيك توك يجني أرباحاً ضخمة، تجاوزت 4 مليارات دولار سنوياً، ترامب لم يرها مجرد أموال، وانما كقوة اقتصادية ممكن تستخدمها الصين لتطوير تقنياتها وتعزيز نفوذها بالعالم، ولهذا خرج بفكرة غريبة: "إذا اراد تيك توك العمل بأمريكا، فستدخل امريكا بأرباحه وتأخذ 50 % منها”، الصين رفضت الفكرة تماماً، ووصفتها بأنها "ابتزاز اقتصادي".
مع وصول بايدن للحكم، الصراع ما توقف لكنه أخذ شكل أكثر هدوء الشركات الأمريكية مثل "ميتا" و"سناب شات" بدأت تقلد تيك توك لتستعيد جزء من المستخدمين، لكن تيك توك ظل متصدراً بأرقام 2023، "تيك توك" كان التطبيق الأكثر تحميلًا عالميًا، بعدد تحميلات تجاوز 3.5 مليار مرة. في 2025، ومع عودة ترامب للرئاسة في ولايته الثانية، أخذ الصراع أبعاداً جديدة بالكامل، القرار الأول كان بتعيين ايلون ماسك وزيراً ومسؤولاً عن التكنولوجيا والابتكار في الإدارة الأمريكية، ماسك المالك لشركات مثل تسلا، سبيس إكس، وتويتر (أو "إكس" حالياً)، يعتبر العقلية الأكثر جرأة وقدرة على الدخول في معارك رقمية، ترامب اختاره لأنه يمثل قوة جديدة تستطيع مواجهة الصين بنفس أدواتها: الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والتكنولوجيا المستدامة.
الحرب الآن ليست مجرد صراع تجاري أو أمني، لان أمريكا والصين يتنافسان على "من يملك المستقبل"، كل تطبيق يعني مليارات من الدولارات، وكل معلومة تجمعها التطبيقات تمثل قوة هائلة، البيانات، التي كانت تُعتبر مجرد أرقام، صارت الآن "نفط العصر الرقمي".
في تقرير حديث لعام 2024، الشركات الصينية مثل "بايت دانس" و"علي بابا" أظهرت نمواً بنسبة 20 % في أرباحها مقارنة بالعام السابق، بينما الشركات الأمريكية مثل "ميتا" و"أمازون" سجلت انخفاضاً طفيفاً. السبب؟ التطبيقات الصينية تقدم تجربة متكاملة، تجمع بين الترفيه، التسوق، والخدمات اليومية، بينما التطبيقات الأمريكية، بدأت تفقد جزءاً من جاذبيتها بسبب التشريعات والمنافسة. الأرقام تقول إن الاقتصاد الرقمي العالمي تجاوز حاجز الـ20 تريليون دولار في 2024، والصين وأمريكا تمثلان 60% من هذا السوق، لكن الفرق الحقيقي يكمن في سرعة النمو الصين، بفضل خطتها الخمسية لتطوير الذكاء الاصطناعي، تضاعف استثماراتها سنوياً، وأمريكا بدأت تحاول اللحاق بها عبر استراتيجيات مثل تعيين ماسك وتحالف الشركات التقنية. ترامب وماسك الآن يحاولان بناء "جدار رقمي" جديد، ليس ضد المهاجرين كما في ولايته الأولى، بل ضد الصين هذا الجدار يعتمد على تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي الكمّي، تقييد استخدام التطبيقات الصينية، وضخ استثمارات هائلة في شركات ناشئة أمريكية.
الحرب مستمرة، وما يبدو واضحاً هو أن الذي يسيطر على التطبيقات اليوم، سيسيطر على المستقبل كله.