‏إعادة إعمار غزة.. بين الحقائق السياسيَّة والتقديرات الزمنيَّة

آراء 2025/02/04
...

 محمد علي الحيدري


التقديرات التي طرحها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بشأن إعادة إعمار غزة، والتي تتراوح بين عشرة وخمسة عشر عاماً، تثير العديد من الأسئلة حول طبيعة الدمار الحاصل، وأبعاد إعادة البناء، والتحديات السياسية واللوجستية التي تحيط بالمهمة.

فتصريحاته التي جاءت عقب زيارته لمحور "نتساريم" في القطاع، تعكس حجم الكارثة التي خلّفتها الحرب، لكنه يتجاهل الإشارة إلى العوامل التي ساهمت في تفاقمها، وخاصة استمرار الحصار والقيود المفروضة على إدخال المواد الأساسية.

عملياً، لا يمكن إنكار أن الدمار الذي شهدته غزة خلال أكثر من 470 يوماً من القصف الإسرائيلي واسع النطاق. 

فالأحياء السكنية دُمرت بالكامل، والبنية التحتية الأساسية تعرضت لانهيار شبه كامل، حيث أصبحت المياه والكهرباء والخدمات الصحية شبه معدومة.

لكن مسألة إعادة الإعمار ليست محض عملية هندسية مرتبطة بالوقت والموارد، بل ترتبط بالسياقات السياسية التي تحكم مسارها.

فعلى الرغم من حديث المبعوث الأمريكي عن دخول المساعدات وفق المخطط، إلا أن المعطيات الميدانية تؤكد أن المساعدات لا تزال محدودة، ولا تصل إلى المستويات المطلوبة لمواجهة الكارثة الإنسانية.

السوابق التاريخية تعطي مؤشرات على مدى إمكانية إعادة البناء في فترة أقصر مما هو متوقع، لكنها في الوقت نفسه تكشف العقبات التي قد تؤخر هذه العملية. 

وفي أعقاب الحروب السابقة على غزة، كانت هناك توقعات بأن إعادة الإعمار ستستغرق عقوداً، إلا أن الواقع أثبت أن القطاع قادر على استعادة جزء كبير من بنيته التحتية بسرعة نسبية، رغم الحصار والقيود المفروضة على إدخال مواد البناء.

ومع ذلك، فإن الفارق في الحرب الأخيرة أن حجم الدمار أكبر بكثير، وأن البيئة السياسية أكثر تعقيداً، حيث لا تزال آليات التمويل والمساعدات الدولية خاضعة لشروط سياسية قد تعيق تسريع العملية.

اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، الذي جاء بوساطة دولية، يُفترض أن يهيئ الظروف لبدء إعادة الإعمار، لكنه لا يضمن استمرار العملية بسلاسة، خاصة مع غياب رؤية واضحة لما بعد مراحل التفاوض الثلاث. 

فالتجربة تشير إلى أن كثيراً من التعهدات الدولية السابقة بإعادة إعمار غزة لم تُنفذ بالكامل، إما بسبب العراقيل الإسرائيلية، أو بسبب تعقيدات داخلية مرتبطة بإدارة 

 

التمويل وآليات التنفيذ.

في النهاية، فإن المدة الزمنية التي ستستغرقها إعادة الإعمار ستعتمد على عدة عوامل، أبرزها التزام الجهات المانحة بتمويل المشاريع دون اشتراطات سياسية تعيق التنفيذ، ومدى السماح بإدخال مواد البناء بحرية، وإيجاد آلية مستقرة تضمن إعادة بناء المرافق الأساسية دون تدخلات تعطل العملية. 

وبينما تبدو التقديرات التي تتحدث عن خمسة عشر عاماً إعادة إعمار متشائمة، فإن التجارب السابقة تثبت أن غزة قادرة على إعادة بناء نفسها في فترات أقصر، لكن ذلك مرهون بمدى توفر الإرادة الدولية لضمان تنفيذ التعهدات بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة.