الذكاء الاصطناعي.. كيف نُحسن تقبّله في الجامعات

آراء 2025/02/04
...

 أحمد حسن 

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة معرفية وتكنولوجية في العديد من مجالات الحياة، لا سيما في الأوساط الأكاديمية والبحثية. ومع انتشار أدواته بشكل غير مسبوق، مثل النماذج اللغوية المتطورة والروبوتات الذكية، بات الإنسان قادرًا على اختزال الوقت والجهد للوصول إلى معلومات وتحليلات كانت تتطلب في الماضي شهورًا أو سنوات لإنجازها. ولكن، كما هي الحال مع كل تقدم كبير، لم يكن الطريق نحو القبول الأكاديمي لهذه الأدوات خاليًا من العوائق.

في ظل هذا الابتكار، ظهر تناقض صارخ بين الأجيال الأكاديمية التقليدية التي ترى في الذكاء الاصطناعي تهديدًا للممارسات التعليمية الأصيلة، وبين الأجيال الجديدة من الطلبة الذين يتطلعون إلى الاستفادة القصوى من هذه الأدوات لتطوير قدراتهم وتسريع عمليات البحث والتحليل. يتجلى هذا التناقض في اتهامات متكررة من بعض الأكاديميين بأن استخدام الذكاء الاصطناعي يشكل "غشًا" أو "اختصارًا" غير أخلاقي للعمل البحثي. ولكن هل هذه الادعاءات مبنية على أساس منطقي؟ أم أنها تعكس صراعًا أعمق مع مفهوم التطور بحد ذاته؟

لفهم هذه الإشكالية، علينا أولاً أن نتأمل في طبيعة الذكاء الاصطناعي. على عكس الاعتقاد السائد لدى البعض، فإن هذه التقنية ليست مصممة لتحل محل الإنسان أو تفكر بدلاً عنه. إنما وُجدت لتكون أداة داعمة تعزز من قدرته على الإبداع والتحليل. تمامًا كما تطورت أدوات الكتابة من الريشة إلى الآلة الكاتبة ثم الحاسوب، جاء الذكاء الاصطناعي ليكمل هذه السلسلة ويمنح الباحثين فرصة للوصول إلى مستويات أعمق من التحليل والابتكار.

يمكننا تشبيه الأمر بما حدث عند اختراع الهاتف ثم تطوره إلى الموبايل، وأخيرًا تطبيقات التواصل الاجتماعي. هل أدى ذلك إلى إلغاء قيمة الحوار الإنساني؟ بالطبع لا، بل جعل عملية التواصل أسرع وأكثر كفاءة. كذلك هو الذكاء الاصطناعي، فهو يُسهّل الوصول إلى المعرفة، لكنه لا يُلغي أهمية الجهد الفكري الذي يبذله الإنسان في توظيف هذه المعرفة.

أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع بعض الأكاديميين إلى رفض الذكاء الاصطناعي هو الاعتقاد الخاطئ بأنه يقدم إجابات جاهزة تُغني عن التفكير النقدي والإبداعي. لكن هذا التصور لا يعكس الحقيقة. الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات والمعطيات التي يُدخلها الإنسان، وهو أداة لتحليل هذه البيانات وإعادة تنظيمها، وليس آلة تفكير ذاتية.

في الواقع، تكشف هذه المخاوف عن أزمة أعمق، وهي الصعوبة التي يواجهها بعض الأكاديميين في التكيف مع التغيرات التكنولوجية السريعة. هناك من ينظر إلى هذه الأدوات بعين الحذر، لأنهم لم يعتادوا على وجودها في مسيرتهم التعليمية، ولأنها تُذكّرهم بأن هناك فجوة معرفية بين الأجيال. ولكن هذا الرفض لا يستند إلى أسباب علمية أو منهجية، بل يعكس في بعض الأحيان نوعًا من الأنانية أو الحنين إلى طرق العمل القديمة.

ما يغيب عن أذهان الرافضين لهذه الأدوات هو أن كل تطور تكنولوجي يمثل امتدادًا لتاريخ طويل من الجهد البشري التراكمي. الذكاء الاصطناعي لم يظهر من العدم، بل هو ثمرة إبداعات وأفكار تراكمت عبر أجيال. عندما يبتكر الجيل الحالي هذه الأدوات، فهو يستند إلى إرث معرفي عميق تركته الأجيال السابقة.

التطور ليس حكرًا على جيل بعينه، بل هو عملية تكاملية تتجسد في تفاعل مستمر بين الماضي والحاضر. لذلك، فإن محاربة الذكاء الاصطناعي بحجة أنه لم يكن متوفرًا للأجيال السابقة هو موقف لا يخلو من جهل بحقيقة أن كل جيل يبني على إنجازات من سبقه.

من المؤسف أن بعض الدول والمؤسسات الأكاديمية اختارت طريق الحظر بدل التكيف، معتبرة استخدام الذكاء الاصطناعي "جريمة" أو "انتهاكًا" للمعايير الأكاديمية. لكن هذا الموقف لا يخدم تطور البحث العلمي، بل يعوقه.

بدلاً من النظر إلى هذه الأدوات بعين الريبة، يجب أن نتبناها كفرصة لتعزيز العملية التعليمية. يمكننا وضع قوانين وضوابط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث، بحيث يتم توظيفه بشكل يخدم تعزيز المعرفة دون أن يكون بديلاً عن التفكير البشري.

على سبيل المثال، يمكن للطلبة استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية جمع البيانات وتحليلها، لكن عليهم في النهاية تقديم رؤيتهم النقدية الخاصة في تفسير النتائج. بهذه الطريقة، يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا في العمل الأكاديمي، وليس خصمًا له.

إن رفض الذكاء الاصطناعي لن يوقف عجلة التطور، بل سيجعل المؤسسات التي تتبنى هذا الرفض خارج سياق التاريخ. التطور التكنولوجي لا يتوقف عند حدود رغباتنا أو مخاوفنا، بل يمضي قدمًا في مسار غير قابل للرجوع.

لذلك، فإن الحل الأمثل ليس في مقاومة هذه الأدوات، بل في دمجها بشكل عقلاني ومنهجي في المنظومة الأكاديمية. علينا أن نتعلم كيف نعيش في عالم يتسارع فيه التطور، وألا نخشى من أدوات قد تكون مفتاحًا لجيل جديد من الاكتشافات العلمية والإنجازات الفكرية.

في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، بل هو انعكاس لقدرة الإنسان على الابتكار والإبداع. وعندما ندرك هذه الحقيقة، سنجد أن الصراع بين التقليد والحداثة ليس سوى مرحلة انتقالية نحو مستقبل أكثر إشراقًا وتقدمًا.