مخيم الهول.. خزانٌ بشريُّ للإرهاب

آراء 2025/02/04
...

 حليم سلمان


العراق يدق جرس الإنذار من احتمالية عودة (داعش) إلى سوريا والعراق، بالاستناد إلى عدة معطيات أمنية وسياسية وحتى اقتصادية معروفة لدى الجانب الدولي والعربي، الذي يراقب طبيعة التغيرات الحاصلة في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ومسك زمام الحكم من قبل احمد الشرع (عام 2003، سافر إلى العراق وانضم إلى تنظيم القاعدة)، ثم (عاد إلى سوريا مع اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد عام 2011، وأسس "جبهة النصرة" كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا، وفي عام 2016، أعلن انفصاله عن القاعدة وتشكيل "هيئة تحرير الشام").

المشهد في سوريا لا يزال معقداً، وغير آمن، ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، بالرغم من الاتفاق على اختيار أحمد الشرع في 29 كانون الثاني رئيسا للجمهورية السورية للمرحلة الانتقالية، وحسب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، فإن العراق يدعو إلى تعاون دولي لمواجهة التهديدات المتزايدة، التي تمثلها عصابات داعش، جراء التطورات الأخيرة التي حدثت في سوريا، واحتمال عودة الخلايا النائمة. 

الخطر الحقيقي، إن العراق يتحسب أمنيا من خروج مخيم (الهول) الذي تسيطر عليه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في منطقة الحسكة السورية ويضم ما بين 10 آلاف ـ 20 ألفاً من عائلات عناصر داعش، عن السيطرة في حال انسحاب القوات الأمريكية، خصوصا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصدر أمرا تنفيذيا بتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يوما، بهدف إجراء مراجعة شاملة لتقييم كفاءتها ومدى توافقها مع سياساته الخارجية، وبطبيعة الحال هذا يؤدي إلى فوضى عارمة بسبب عدم دفع أجور الحراس وتوفير الطعام لسكان المخيم.

سجن مخيم الهول ليس مكانا للإصلاح، بل أصبح (مفرخة) للتطرف وزيادة في أعداد من يعتنقون الفكر الإرهابي الداعشي، وكان هؤلاء قد اعتقلوا بعد هزيمة "داعش" عام 2019، ووضعوا تحت إشراف "قسد" وسط حماية مشددة، ويضم القسم الأجنبي عائلات أعضاء التنظيم من 40 دولة أجنبية، بما في ذلك أمريكيون وأوروبيون ودول سوفييتية سابقة، وقد فشلت محاولات سابقة لإعادة هؤلاء إلى بلدانهم، لأن معظم هذه الدول رفضت استقبالهم.

أين تكمن حقيقة المخاوف وكيف تتجدد الآن؟، تشير المصادر الأمنية عن طريق معلومات نشرت إلى نية الإدارة الأمريكية الجديدة سحب نحو 900 جندي أمريكي من قواعد عسكرية في سوريا، تتولى تقديم الدعم المالي واللوجستي والأمني للقوات الكردية (قسد) التي توفر الحماية لمخيم الهول، وبعد قرار واشنطن وقف المساعدات الخارجية، إضافة إلى تداعيات الموقف المستجد في سوريا، وعودة "داعش" في البادية بين سوريا والعراق، أصبحت بغداد تراقب بحذر وتتحرك بخطوات محسوبة نحو منع أية تدهور أو سماح للعصابات الإرهابية من الدخول أو التحرك في الأراضي العراقية.

وبطبيعة الحال، فان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطع المساعدات المالية عن الأكراد (قسد)، قد يؤدي إلى وضعهم في مأزق لا يمكن السيطرة على تداعياته، وإيقاف قدرتهم على مواجهة "داعش" إذا تحركت مجدداً، خصوصاً إن استغلت تركيا الوضع وهاجمت المواقع والبلدات الكردية، ما سيضطرها لإعادة نشر قواتها وسحبها من المعسكرات والسجون التي توجد فيها "داعش".

القوات الأمنية العراقية اتخذت عديدا من التدابير الاستباقية الأمنية، لكن هذا وحده ليس كافيا من دون أن يضع المجتمع الدولي ثقله بالضغط على تركيا، وعدم السماح لها بشن حملة عسكرية على المواقع والبلدات الكردية التي هددت بمهاجمتها مراراً، ما سيضطرها لإعادة نشر قواتها وسحبها من المعسكرات والسجون التي توجد فيها "داعش".

وبهذا فإن "داعش" تسعى إلى استغلال التطورات في كل من سوريا والعراق، لمصلحتها ومحاولة إعادة ترتيب صفوفها، وإيقاظ خلاياها النائمة، حيث تقدر تقارير الأمم المتحدة أن "داعش" لا تزال لديها ما بين 5 - 7 آلاف مقاتل في سوريا والعراق، وتستطيع أن تجند أكثر من ذلك بكثير إذا خرج مخيم الهول عن السيطرة، باعتباره يمثل (خزاناً بشرياً) للعصابات الإرهابية، إضافة إلى استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يعانيها أهالي المناطق الصحراوية المحاذية لسوريا والعراق، وهي تشكل البيئة الحاضنة التي انتعش فيها التنظيم.

تسيطر قوات (قسد) الكردية على عشرين سجناً شمال شرقي سوريا، يتواجد فيها أكثر من عشرة آلاف قيادي داعشي متطرف، منهم ألفا عراقي، ما عدا مخيمي (الهول والروج) اللذين يضمان بحدود عشرة آلاف داعشي.

لتدارك خطر الانفلات الأمني، فإن الأمم المتحدة أطلقت مؤخراً في بغداد عبر بعثتها الأممية (النسخة الثانية من البداية)، التي ينصب هدفها على مساعدة الحكومة العراقية في نقل جميع العراقيين من مخيم الهول وسجون (قسد) إلى العراق، وتأمين الحدود وسد جميع الفجوات والثغرات لأي خرق مستقبلي عبر الحدود. 

السؤال هنا: هل تعود "داعش" مجدداً في إطار رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط التي يبشرون بها!، وهل تتضمن الخطة استغلال هذه المجاميع الإرهابية في زعزعة أمن البلدان والأمن تحت ذريعة الانصياع بالقوة للتحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، هدفها الرئيس توفير الحماية الكاملة لإسرائيل، وتأمين تدفق الطاقة دون استخدامها في كسر عظم أمريكا والغرب؟