عقيل هاشم الزبيدي
يضمُّ كتاب “الرمز والمسرح” للباحث صباح محسن كاظم بين دفتيه إضاءات كاشفة وقراءات تاريخية في فاعلية الرمز في المسرح عبر رسالته وأهدافه الإنسانية، ولعل مسرح التعزية ورمزية الطف الحسيني، لها شديد الأثر في تثوير المشاعر الإنسانية. فكان فحوى هذه الأطروحة شديد الاتصال بشواغل الهوية، وسبيلاً لوعي الذات وتقصي أشكال الخطاب المسرحي وهويته الإسلامية. ان هذا النوع من المسرح قد جاوز حدوده الفنية كثيراً إلى آفاق فكرية وفنية متعاظمة التأثير بعد التحولات السياسية في المحيط العربي والعالم .
أقول مازال هاجس المسرح في تطور تقاناته يجعله يتبادل التأثير بين التأصيل والتجريب مع حركية النسق الحداثوي للمناهج والنظريات المسرحية، من حيث الشكل والمضمون، وهذه القناطر لايمكن لها ان تصمد دون ربط التأصيل والتجريب، وغالباً مايكون على نحو مباشر او غير مباشر عبر استلهام الحوادث او الشخصيات التاريخية وإسقاطها على الحاضر، هذا الإصرار هو جزء من استلهام فنية الخطاب التفاعلي. وعبثاً يستطيع المرء كشف ملامح الحركة المسرحية بمعزل عن حاضنتها الاجتماعية والثقافية وتراثها الغزير بالمآثر، ولعل قضية الطف تتقدمها، فقد امتزج حلم الحاضر بأسطورة الماضي، وغدت شواغل المثقف العربي الاتكاء على معمارية بناء مسرح يواكب النهوض الإنساني الرافض لكل ظلامية الإنسان وسحقه، واليوم نجد الكثير من الأدباء والمثقفين يحاولون جادين تأسيس وبلورة مسرح إشكالي مستفز للذائقة الصامتة لتثويرها بقصد الإجابة عن سؤال تأصيل الظاهرة - (هوية المسرح) .
في مقدمة الكاتب، كتب عن الرمز: (يتداول النقاد مصطلح الرمز باستخدامه بالخطاب الادبي في عملية الإقناع والتأثير بسياقات النص ونسغ البناء بجسد النص، ويعدّوه من شروط نجاح النص الأدبي لكي لايدخل بالمباشرة والتقريرية، فالإحالات الرمزية تمنح الدلالات المراد تعاطيها في النص الأدبي فسحة من الحلم والخيال وجماليات المعنى.. إذ يستخدم كقناع للهروب من مقص الرقيب والأسئلة من أعوان الطغاة ..)
الرمز لغة الإنسان، لغة العلامات، فالسلوك الرمزي يختلف عن السلوك الذي تستثيره العلامة، إذ أن الرمز لا يستثير في العقل السلوك نفسه الذي يستثيره الموضوع المرموز إليه لو كان موجوداً بالفعل، الرمز يستثير نوعاً من التفكير والسلوك يخالف التفكير والسلوك الذي يستثيره اسم الشخص نفسه كعلامة، ولذا فسلوكنا نحو الرمز غالباً ما يكون سلوكا مبنياً على الخيال والتخيّل في حين أن سلوكنا نحو العلامة غالبا ما يكون مبنياً على أساس الوجود الواقعي..
إنّ توظيف التراث توظيفاً جديراً بالعناية وعدم المساس به يعتمد على اتخاذ الشخصيات التراثية مجرد أقنعة، تخفي خلفها مجموعة من القضايا وعلى سبيل المثال - «نستطيع أن نجد شخصيات مثل شخصية (الحسين ع) وسواها من الشخصيات، هذه الشخصيات: التي تصبح كمعادلات مسرحية لكل إنسان مظلوم ويريد ان ينتصر للحق، فبالرمزية تستطيع أن تجد التأثير الفاعل لهذا (الأنموذج)، لأن الفنون أساساً بُنيت على التأويل وفكّ الشفرات، «لأن لكل شعب أسلوبه في التعبير والتوصيل والفرجة، في التأثر والتأثير والنقل، وفي الوصول إلى المتعة والمعرفة.. وليس للفن قوانين العلم الصارمة التي لا يختلف عليها اثنان في العالم.