حين يكون الملياردير موظفاً حكومياً

آراء 2025/02/09
...

 محمد شريف أبو ميسم 

                    

يقال إنه ولد في جنوب أفريقيا لأب يعمل مطوّرا عقاريا وأم تعمل عارضة أزياء، وتمكن من إنشاء لعبة فيديو، وهو في عمر الثانية عشرة، ثم باع شيفرتها لمجلة متخصصة في الحواسيب بمبلغ 500 دولار، فكانت تلك نقطة انطلاقته إلى عالم التجارة والأعمال، وهو الآن في الثالثة والخمسين من عمره ويمتلك 447 مليار دولار.

انه "ايلون ماسك" الذي اختاره الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ليكون أحد أعضاء حكومته مع نحو احدى عشر مليارديرا أو مليونيرا، جمعوا ثرواتهم في ظل نظام اقتصادي يسمى "نظام ليبرالية السوق".

والسؤال هو: أي عمل هذا الذي يستطيع من خلاله الانسان أن يجمع هذه الثروة الهائلة، التي تفوق الاحتياطيات النقدية لدول عديدة تمتلك الامكانيات والموارد بما يؤهلها لتكون أرقاما صعبة في الساحات الدولية؟ 

هذا سؤال يتحرى عن ماهية النظام الاقتصادي، الذي يراد له أن يسود هذا العالم، في وقت يرتدي فيه حلة الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان بما يوحي للكثير من الناس بالعدالة الاجتماعية. 

ولسنا معنيين هنا بشخص "إيلون ماسك"، الذي كلفه ترامب بقيادة جهود "وزارة الكفاءة الحكومية" وهي وزارة جديدة معنية بشؤون الانفاق وتوظيف المال دون صلاحيات كبيرة، لأن الانفاق الحكومي وفق الدستور الأمريكي يقرره الكونغرس الأمريكي، ولكننا معنيون بمناقشة شكل نظام ليبرالية السوق، الذي يقدمه لنا ترامب بشخوص فريق حكومي من الأغنياء، وكأنه يريد أن يقول للعالم ما قاله ماركس "إن الدولة هي أداة للطبقة الحاكمة لإخضاع الطبقات الأخرى".

وقد نختلف كثيرا مع الأخوة المتحمسين لشكل النظام الليبرالي، بوصفه نظاما يدعو للحرية والملكية المطلقة، لأننا نرى فيه نظام قائم على خصخصة وظائف الدولة، ويضع سلطة المال محل سلطة الحكومات، وهذا الاختلاف لا يعدو أن يكون سجالا ناجما عن الموروثات السيئة التي خلفتها الدكتاتوريات، والتي وظفتها الرأسمالية العالمية خلال مرحلة الحرب الباردة، توظيفا ذكيا امتد إلى مرحلة ما بعد ظهور الانترنت مرورا بزوال الخصوصيات المجتمعية بعد أن أطاحت أدوات العولمة الثقافية بالموروثات واستطاعت تدجين القيم بأساليب الاستهلاك ومخاطبة الغرائز، علاوة على زوال حدود الدولة التقليدية تحت مظلة العولمة الاقتصادية، وعولمة الأمن وصولا إلى عولمة الأنماط الاستهلاكية وتكريس الطبقية بشكلها الدولي. 

بيد ان اختلافنا لن يدوم طويلا أمام هذا التحول الذي دعمته تلويحات الرئيس المهووس بالمال وهي تكشف عن حقيقة "الدولة العميقة" التي تمثلها سلطة الأغنياء، بوصفها "أداة للطبقة التي تحكم العالم وتروم اخضاع الطبقات الأخرى"، وهذا ما بدا جليا في تلويحات ترامب خلال منتدى دافوس وما تلاه، من قبيل الاستحواذ على جزيرة غرينادا من الدنمارك، ودعوة كندا لتكون الولاية 51 للولايات المتحدة، والتي أعقبها استقالة رئيس الوزراء الكندي، وتحذير دول بريكس من مغبة اصدار عملة موحدة تنافس الدولار، وتوجيه العربية السعودية لزيادة انتاج النفط بهدف خفض الأسعار مع وجوب زيادة استثماراتها إلى ترليون دولار في بيئة الأعمال الأمريكية، وتحذير حلفائه الأوربيين بما أسماه ملاحقة الشركات الأمريكية وفرض الضرائب عليها، بجانب فرض تجميد المساعدات الخارجية، وترحيل سكان غزة إلى مصر والاردن، وتلويحه بانسحاب أمريكا من مجلس حقوق الانسان، واعلان حالة الطوارئ للحد من الهجرة، واعادة المهاجرين إلى بلدانهم، والتي واجهها الرئيس الكولومبي بالرفض ثم سرعان ما تراجع عن قراره بعد تهديد صريح بفرض عقوبات على كولومبيا. 

الأمر الذي يؤكد ان ترامب ومعه ايلون ماسك ورفاقهم المليارديرات لن يكونوا الا موظفين حكوميين منضبطين في أداء واجباتهم، التي يتقدمها واجب تكريس سلطة الدولة العميقة التي تقودها عوائل "روتشيلد، روكفيلر، مورغان، بوش وعائلة كندي" لإخضاع الحلفاء وصولا لإخضاع غرمائهم بوصفهم دولا مارقة.