سعد العبيدي
يُعدّ العراق من أكثر الدول العربية، التي شهدت انقلابات عسكرية وثورات متكررة، حيث اتخذ منفذوها العسكريون المدعومون من شخصيات سياسية وأحزاب مبررات وأهدافًا متنوعة لتبرير تحركاتهم، كالاستئثار بالحكم والعمالة إلى الأجنبي والتخلف والفساد وغيرها الكثير من الشعارات اللفظية. وبصددها، إذ قام الباحثون بإحصاء تأثيرات هذه الانقلابات منذ انقلاب بكر صدقي عام 1963 وحتى انقلاب 17 تموز 1968، مع التركيز على الناجحة منها فقط، فسيجدون عمليًا ودون الحاجة الى التعمق في البحث أن نتائجها السلبية تفوق بكثير الإيجابيات المزعومة التي عادة ما يروج لها المنفذون، وإن الدوافع الحقيقة لهذه التحركات غالبًا ما كانت نابعة من رغبات شخصية لتحقيق الذات العسكرية المتضخمة، وإن كانت تُغلّف بشعارات وطنية، إذ إنها جميعًا درجت على منح الرتب العسكرية والمناصب القيادة ليكون أصحابها على رأس الهرم العسكري النافذ على وجه الخصوص، وسيجدون من بين هذه الانقلابات، ان انقلاب 8 شباط 1963 واحدٌ من أكثر الانقلابات تأثيرًا سلبيًا على الدولة والمجتمع العراقي، رغم أن منفذيه أطلقوا عليه اسم "عروس الثورات"، لأن نتائجه الفعلية تمثّلت في عمليات إبادة ضد الشيوعيين وإقصاء القوميين والمتدينين، والتقدم خطوات باتجاه حكم القبيلة والمنطقة والحزب الواحد، ما أدى إلى ترسيخ أسس الديكتاتورية العسكرية أو الحزبية في إدارة الدولة العراقية والمجتمع.
كما ساهم هذا الانقلاب في تعزيز النزعات الشخصية للسيطرة على الحكم عبر وسائل ثورية، وهو نهج ظل العراق يعاني منه حتى سقوط النظام عام 2003.
ورغم انتهاء هذه المعاناة رسميًا بعد التحول الى الديمقراطية الفتية، إلا أن آثارها النفسية والاجتماعية لا تزال قائمة، حيث يحاول البعض الاستئثار بالسلطة تحت ستار الديمقراطية، والتصارع المصلحي من أجل الوصول الى السلطة، وحرف الديمقراطية الحقيقية بدعاوى الضرورات الدينية والمجتمعية، مستندين في ذلك إلى الإرث السياسي الثقيل، الذي أفرزته تلك الانقلابات ومحاولات قادتها تغليف مطامعهم وتوجهاتهم الذاتية بغلاف الوطنية.
وهكذا، استمرت العقلية الثورية التي نشأت مع تلك الانقلابات والأحداث واستمرت في التأثير على مسار العراق السياسي، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية الخروج من دوامة الانقلابات نحو استقرار حقيقي ومستدام، والفترة الزمنية التي يحتاجها العراق للشفاء منها اضطرابات نفسية.