محمد علي الحيدري
تشير التصريحات الأخيرة الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين إلى تصعيد سياسي خطير يستهدف القضية الفلسطينية.
بتكرار التصريح القائل بأن "من يريد إقامة دولة فلسطينية، فليفعل ذلك على أراضيه"، تتضح نية القيادة الإسرائيلية دفع المسألة الفلسطينية نحو مسارات إقصائية تتجاوز حدود الأراضي الفلسطينية إلى أراضٍ عربية أخرى.
هذا الخطاب لم يكن مجرد موقف فردي، بل يعكس توجهاً أوسع داخل الحكومة الإسرائيلية يسعى لإعادة صياغة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر أدوات الضغط السياسي والابتزاز الإقليمي.
توقيت هذه التصريحات ليس عابراً، إذ جاءت في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي واسع ضد قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والذي أسفر عن إبادة جماعية خلّفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال.
هذا التدمير الشامل، المترافق مع خطاب سياسي ينفي حق الفلسطينيين في أرضهم، يضع المنطقة أمام سيناريوهات جديدة تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية وأمن المنطقة بشكل عام.
ردود الأفعال العربية، لا سيما من السعودية، عكست رفضاً قاطعاً لهذا الطرح الإسرائيلي.
بيان وزارة الخارجية السعودية شدد على أن الفلسطينيين "أصحاب حق في أرضهم، وليسوا دخلاء عليها"، وهو تأكيد على ثبات الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية رغم محاولات تل أبيب تصوير الأمور بصورة مغايرة.
تصريحات نتنياهو جاءت كذلك في سياق حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطط تهجير الفلسطينيين من غزة، في ما بدا وكأنه تنسيق أمريكي إسرائيلي لإعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً لمصالحهم.
الخطورة الاستراتيجية لهذا الطرح تكمن في عدة مستويات.
أولاً، إنه يفتح الباب أمام مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال محاولة فرض حلول قسرية لا تحظى بقبول الأطراف الإقليمية أو الدولية.
ثانياً، هذا التصعيد يضع الدول العربية، خاصة السعودية ومصر والأردن، أمام تحديات دبلوماسية وأمنية معقدة، إذ أن قبول أو حتى مجرد مناقشة فكرة توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم يمثل خرقاً للموقف العربي الموحد ويهدد السلم الأهلي داخل هذه الدول.
ثالثاً، هذه التصريحات قد تؤدي إلى تصعيد ميداني جديد في الأراضي الفلسطينية مع ازدياد حالة الغضب الشعبي وتنامي حركات المقاومة، مما يفاقم من حدة الأزمة.
الرفض الإقليمي والدولي لمخططات تهجير الفلسطينيين يؤكد أن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية قد تواجه طريقاً مسدوداً، ولكن خطورتها تبقى في قدرتها على تأجيج التوترات وتحويل الصراع من نزاع حدودي إلى أزمة وجودية تهدد استقرار المنطقة
بأسرها.