محمد صالح صدقيان
تعيش المنطقة راهنا تطورات مهمة وتاريخية لجهة المقاربات والتصورات، التي تطرح ابتداءً من الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وانتهاءً بالتكهنات التي تتحدث عن مآلات الخطط والبرامج، التي يريد الرئيس الامريكي الجديد رونالد ترامب اتخاذها قبل انتهاء المئة يوم الأولى من رئاسته، التي تجعل جميع الأطراف تنتظر لترى ماذا يدور في خلد الرئيس الأمريكي؛ وكيف يريد أن ينفذ أفكاره على هذه البقعة من العالم أو هذا الملف أو ذاك؟.
في ظل أجواء الترقب الذي تبديه كل الاطراف التي تملك هواجس التوتر والتأزيم في المنطقة تحتفل ايران بالذكرى السنوية 46 لانتصار ثورتها وتأسيس الجمهورية الاسلامية عام 1979. هذه الثورة والجمهورية التي تأسست على اساسها كثر حولها الجدل واللغط منذ ذلك التاريخ؛ وما زالت الأنظار متجهة نحوها لمعرفة ماذا تريد؟ وماذا تخطط؟ وإلى أين تريد أن تصل؟ بعد كل الذي حدث في غزة وفي لبنان وفي سوريا وغيرها من المناطق في عالمنا العربي والاسلامي حتى أن البعض يرى بأنها أم المشكلات في المنطقة؛ وهي التي جاءت بالطائفية والمذهبية، التي لم تكن معروفة في منطقتنا ودولنا قبل العام 1979 ؛ إضافة إلى أن هذه الــ "ايران" لم تدخل بلدا الا وحولته إلى ركام وخراب في الموارد وفي الصادر والوارد.
هذا البعض - وهو ليس بقليل - يعتقد أن إيران أدخلت المنطقة ودولها وشعوبها في حروب وأزمات ونزاعات مع كيان الاحتلال الاسرائيلي لم تكن مؤهلة، ولم تكن مستعدة لخوض هكذا حروب. وتستدل على ذلك بنتائج الحرب الاخيرة في غزة؛ ونتائجها في لبنان؛ ونتائجها أيضا في سوريا؛ ولربما شاهدنا نتائجها في مناطق أخرى.
لا أريد ان ادخل في الجوانب الفقهية والاجتماعية لحل عقد الاسئلة المطروحة آنفا؛ لكن من الممكن الدخول لها عبر جوانبها السياسية بشيء من الموضوعية والواقعية، لأن تناول مثل هذه المواضيع في الوقت الراهن يحمل في طياته نوعًا من الحساسية التي لا أراها مفيدة على الإطلاق في الوقت الذي تتعرض المنطقة لمخاض تاريخي، ربما يضفي إلى نتائج شبيهة، بما حدث في بداية القرن الماضي؛ اقصد على وجه الخصوص اتفاقيات "سايكس بيكو" سيئة الصيت من تقسيم؛ ورسم حدود؛ واندثار دول؛ وولادة أخرى... وهكذا. وبطبيعة الحال تفضل فيه بعض الدول أن تخفّض رأسها من أجل مرور العاصفة في حين تعتقد دولٌ أخرى أن خفض الرأس في مثل هذه الظروف مٌكلف لا تستطيع الأجيال القادمة من تحمله كما حدث في بدايات القرن الماضي وما زالت المنطقة تأن من استحقاقاتها.
وبواقعية؛ فإن الطائفية والمذهبية ليست وليدة اليوم وإنما هي وليدة يومها؛ لكن الذي تغير هو الواقع الذي يرى الأمور بعين أخرى وبعقل آخر. يخطأ من يعتقد أن هذين العاملين وجدا خلال الأربعين عاما الماضية. انها ولدت منذ وفاة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وما هذه المذاهب والفرق التي تشكلت بعد عصر الدعوة الإسلامية الأول إلا انعكاس لاختلاف النظرة للدين والشريعة والتاريخ والموروث. لا أريد أن أحقق أيهما الصحيح؟ وأيهما الخطأ؟ لأن مثل هذا التحقيق لا يخدم الأمة في مثل هذه الظروف؛ ولن يجلب لها السعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة! لكن أريد أن أقول أن مثل هذه الاجواء كانت وما زالت؛ ربما الجمهورية الاسلامية الايرانية التي كتبت في دستورها أنها تسير على منهج "المذهب الجعفري الاثني عشري" هو الذي دغدغ مشاعر وعواطف البعض الذي كان يرى أنه الوحيد المعني بكتابة تاريخ الامة وتاريخ المنطقة التي تسكنها؛ وفي كل ذلك كان ينطلق بدوافع سياسية وليس بدوافع فقهية أو دينية.
النقطة الأخرى التي تتعلق بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وآلية مواجهته وصولا لإنهاء هذه الحالة وتحرير الأرض والإنسان في فلسطين. فالكل يعرف ويقر أن هذا الاحتلال غير شرعي وغير قانوني ولا يملك الشرعية لا سابقا ولا حاليا وأن كل المقاربات التي حدثت منذ العام 1948 فشلت في إيجاد حلول ناجعة لإنهاء الاحتلال وما زال الشعب الفلسطيني يعيش في المخيمات ويولد في الشتات ويواجه العنصرية والاحتلال والقتل والحقد والغطرسة والعدوان. هل إن إيران كانت السبب في ذلك؟ وإذا ما استثنينا السنوات الثماني الأولى من عمر جمهوريتها " 1980 – 1988 " التي كانت منشغلة في الحرب التي شنها نظام صدام فإننا نتحدث عن 37 عاما ارادت فيها ايران أن تبني نفسها في المجالات المختلفة. وخلال ذلك رات ان الهيمنة والتسلط المغلفة بالوعيد والتهديد من قبل كيان الاحتلال والولايات المتحدة، التي كانت ولا تزال تعتبر "اسرائيل أولا " تقف امام التقدم والبناء. وإن المعادلة الحاكمة أما أن تكون معنا أو ضدنا!. هذه الجمهورية التي تأسست على أنقاض نظام كان قائما على معادلة "أما معنا أو ضدنا" لم يكن باستطاعتها إلا أن تكون كما أرادت الجماهير، التي نزلت للشوارع واسقطت النظام الشاهنشاهي، ليكون هناك نظام آخر يسير على دستور حصل على نسبة 99.5 بالمئة من اصوات المواطنين.