محاربة المحتوى الهابط

آراء 2025/02/13
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي


لم يعد صعبا على أيٍّ كان أن يقوم بصناعة المحتوى، بصرف النظر عن هذا المحتوى فيما إذا كان هابطا أو هادفا، بعد أن أصبح كل واحد منا لديه هاتف ذكي أو جهاز لوحي، أو حاسوب محمول، أو ثابت، لا فرق، حيث وفرّت لنا هذه الاجهزة امكانات هائلة، لدرجة أن كل إنسان، اصبح بمقدوره ان يكون مراسلا صحفيا، بل أكثر من ذلك، أن يكون وسيلة اعلامية، تتوافر على جميع متطلبات هذه المهمة: ( التصوير، التحرير، المونتاج، والبث والارسال) وبذلك تتحقق عملية الاتصال الجماهيري، باتجاهين، فالعملية هنا ستكون تفاعلية بالكامل.

الاشكالية المُثارة هنا، هو كيف لنا أن نضع المعايير اللازمة، لأن تكون مثل هذه المحتويات، أو (الوسائل الاعلامية) الحديثة، ذات فائدة للمجتمع، وأن نقلل من اثارها السلبية في بلورة توجهات الرأي العام، وهو ما بات يسمى بـ(المحتوى الهادف)، يقابله مايُعرف بـ(المحتوى الهابط) والمسافة بين المحتويين ليس سوى حرفين، في الاول (د ف) والثاني (ب ط)!!.

في العراق، وفي ظل السقوف العالية للحريات، وبما كفله الدستور، من صيانة لهذه الحريات، فإن مساحة صناعة المحتويات، توسعت كثيرا، والمؤلم في الموضوع، أن المحتوى الهابط اصبح له متابعون كثر! وكانت لذلك الأمر نتائج سلبية في المجتمع، الأمر الذي اضطر وزارة الداخلية، للقيام بعمليات متابعة لصنّاع هذا المحتوى، فانحسرت مساحة هؤلاء.

ولكن، بتقديري، أن محاربة المحتوى الهابط والقضاء عليه - اذا جاز التعبير- لا يمكن أن يتحقق من خلال حملات الاعتقالات والمطاردة لصُنّاعه، فمثل هذه الفعاليات ربما تثير ردود فعل سلبية ازاء الحكومة.

اذن مالحل؟ هل نترك هؤلاء يضربون بمحتوياتهم الهابطة منظومة القيم الاجتماعية، الدينية والاخلاقية، ويرسمون صورة بشعة للواقع العراقي؟

كلا بالتأكيد، إنما علينا أن نجد أساليب أخرى غير الهراوات، نستطيع من خلالها، تحويل الـ(ب ط) إلى (د ف)، ولكن، هل ذلك بالامكان؟ نعم بالامكان، حتى لو نجحنا بقرار - كما يقولون. 

نعم نستطيع ذلك اذا استقطبنا صنّاع المحتوى الهادف، ووفرنا لهم المساحة التي تشعرهم بالأمان والتمكين، عند ذاك سيجد أصحاب المحتوى الهابط أن المساحة بدأت تضيق بهم، ويدركون انهم يسيرون في الطريق الخطأ.

ولعل نقابة الصحفيين العراقيين، أدركت اهمية هذا التوجه، فبادرت بتشكيل رابطة صنّاع المحتوى الهادف وعددهم يتجاوز الألف، وسيكون لهذه الرابطة الدور الكبير في صناعة اجواء هادئة وآمنة للجميع، وهذا من شأنه أن يشجع الكثيرين من صُنّاع المحتوى الهابط إلى الهجرة باتجاه هذه المنطقة الآمنة.

ولكن مرة أخرى، تبقى معايير التفريق والتمييز بين المحتويين الهادف والهابط، هي الأساس في رسم المسارات السليمة للتعامل مع الفئتين.