من التزلج على الرمال إلى التزلج على النيران

آراء 2025/02/16
...

 نبيه البرجي

 

اذهب إلى الشرق المعقد بأفكار بسيطة". هذا ما قاله شارل ديغول لدى توجهه إلى بيروت التي أقام فيها بين عامي 1929 و 1931. الشرق المعقد لماذا؟ عالم اللاهوت الألماني وولفنهارت بانينبرغ رأى أن آدم هبط بأزمته الشخصية، التي ما لبثت أن تحولت إلى أزمة كونية، من السماء إلى الأرض. الهبوط كان في الشرق الذي شهد أول مظهر للصراع في التاريخ البشري حين قتل قابيل هابيل. المستشرق الفرنسي جاك بيرك قال لنا "حين يكون الشرق الأوسط الذي ولدت فيه الأساطير الكبرى، والديانات الكبرى، أرض الأنبياء، لا بد أن يكون أرض الأباطرة، وقد أتوا اما من أقاصي الشرق أو من أقاصي الغرب، لتبقى المنطقة التي قال هيرودوت، منذ 2500 عام، انها تقع على خط الزلازل، نقطة التقاطع بين الهاجس التاريخي والهاجس اللاهوتي. نابليون بونابرت، وفي حملته الشهيرة، عام 1798، كان يعتقد أن الطريق إلى الشرق هو نصف الطريق إلى السماء. 

 خط الزلازل أم خط الآلام؟ كان يفترض بالمنطقة، وقد استأثرت باستضافة كل الأنبياء أن تكون، بشكل أو بآخر، نسخة عن الجنة لا نسخة عن جهنم. لاحظنا كيف اعتبر بنيامين نتنياهو أن تدمير غزة على رؤوس أهلها تجسيد للنص التوراتي الذي أعطاه هو بالذات صلاحية القضاء على أعدائه، ما يفترض أن يرفضه كل كائن بشري. في الغرب، لا يتقبلونه فقط بل يتبنونه باعتبار أن اسرائيل التي اغتصبت الأرض، وقتلت سكانها، كما دفعتهم إلى المخيمات، أو إلى أرصفة المرافئ، انما تدافع عن نفسها في وجه البرابرة. 

 هؤلاء البرايرة هم أبناء أولئك الذين اضطلعوا بدور فذ في بزوغ "عصر الأنوار" في القارة العجوز. واذا كان هناك من يعيد سبب الغيبوبة الكبرى للعرب إلى القرون الأربعة من الحكم العثماني، لم يتورع الغرب عن تقطيع أوصال المنطقة حتى قبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها. مسؤوليته واضحة جداً في عقود الاجترار التي تعيشها الدول، والمجتمعات، العربية التي لا تعاني فقط من انعدام الوزن. أيضاً من. . . انعدام الزمن !

 كل الموارد البشرية والطبيعية لم تذهب بنا إلى لعبة القرن . انه ضياعنا الأبدي بين الزمان والمكان. كل من يحاول أن يضيء أمامنا الطريق يرتطم بالمطرقة الأميركية. يكاد الباحثون في أزمات المنطقة، يجمعون على الاستغراب كيف أن قيام اسرائيل لم يفض إلى تفجير الأدمغة في البلدان العربية، الخوذات حلت محل الرؤوس، واستولت على السلطة في أكثر من بلد عربي. الانكليز كانوا يشيعون بأن الانقلابات العسكرية مرحلة انتقالية، وضرورية، في طريق الاغتسال من الترسبات التاريخية، والايديولوجية. المفاجأة أن الانقلابات تحولت إلى ظاهرة بنيوية في التشكيل الثقافي والسياسي، للبلدان المعنية. انقلابات بقيادات عائمة، أو نرجسية، وغير مؤهلة على الاطلاق للمقاربة الجراحية للأزمات. 

 صديقنا جيل كيبل تحدث عن الانتقال السيزيفي من التزلج على الرمال إلى التزلج على النيران. هكذا تحولت المنطقة إلى حلبة للصراع بين الإمبراطوريات أو بين القبائل على اختلافها. في أحيان كثيرة كان يتلاشى المفهوم الكلاسيكي أو المفهوم الثوري، ان للدولة أو للمجتمع. 

 كيف لبلدان الشرق الأقصى التي كانت مثقلة بالتقاليد، وبالثقافات الماورائية، أن تتفاعل مع ديناميات القرن، وتدخل إلى العالم التكنولوجي، ليبقى الشرق الأدنى، وهو الأكثر ثراء، بالحساسية الجيوسياسية اما على تخوم الغيب وهي تخوم العدم، أو على تخوم الغيبوبة، وهي الوجه الأخر للبقاء في ما دعاها عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو "المعاطف الصدئة".   كيف لم تهز أحداث غزة ولبنان، بالأداء الاسطوري في وجه اسبارطة القرن. عظام يعرب بن قحطان الذي قال أدونيس انه لا يستحق أن نضع زهرة على قبره. خلال حرب حزيران/ يونيو قال موشي دايان حين وصل إلى حائط المبكى إن قهقهات ملوك التوراة كانت تدوي في أرجاء المكان. 

 عالم السياسة الفرنسي أوليفيه روا الذي تابع "أوديسه الخراب" في غزة، وفي لبنان، لم يستبعد "جدلياً" حدوث تفاعلات زلزالية في الشرق الأوسط، مستخدماً تعبير "ثورة القبور"، بعدما تعدى بنيامين نتنياهو كل المعايير الأخلاقية والانسانية للقتل. اذ ما زال يعتبر أن تغيير الخارطة التاريخية للشرق الأوسط يقتضي اللجوء إلى الساعة النووية، بلغ به الجنون حد طرح اقامة الدولة الفلسطينية على الأرض السعودية ليبدو فرنكلين روزفلت، وقد خرج من قبره، للدعوة إلى القاء "هذا المجنون في جهنم ". الفيلسوفة اليهودية الأميركية جوديث بتلر. صرخت بالصوت العالي "انه هتلر. . . انه هتلر"!