محمد غازي الأخرس
ويقولون: درب الجلب (الكلب) عل القصاب، قاصدين فكرة عدم استغناء فلان عن فلان، فمصير الكلب، مهما زعل وادعى الاستغناء، لابد أن ينتهي به إلى القصاب، فهو يحتاجه لأن الجوع كافر. الدرب هنا هو الطريق، والبغادة يصغرون الدرب بصيغة انفردوا بها ويقولون ( دربونه) للدلالة على الشارع الصغير الذي تقع فيه البيوت، وترادف الدربونه كلمة (طرف) و(عكد). يتذكر أبناء جيلي جيدا أغنية فاهم الجميلي : جيران نزلوا بالطرف يا يمه أحبهم، كذلك يتذكرون أهزوجة الأطفال المرافقة لواحدة من ألعابهم حيث كانوا ينقسمون إلى فريقين، فريق يحمل طفلا من "طرف" يمثل دور من كسرت رجله، وفريق يمثل أبناء طرف آخر، يسأل مكسور الرجل الفريق الآخر: ليش كسرتوا رجلي، فيجيبونه : ليش جيت بطرفنا. وفي الاستخارة المعروفة، يرمي المستخير حجارة في الدربونة ويقول: يا حجارة الدرب، أنطيني المراد البلكلب "القلب"، ثم ينتظر أول كلمة يسمعها من المار في الدربونة، فإن قال : أي أو ما يدور بفلكها، تكون الاستخارة جيدة، وبعكسه تكون سيئة.
على إن معنى (الدرب) هنا، ليس هو نفسه في الكناية اللطيفة "أبو درب" التي تطلق على الشاطر والعيار، فالـ"درب" هذه المرة ذو معنى مجازي يدل على الخداع، فالشاطر خبير في معرفة خرائط المحلات بحيث يمكنه جعلك تدور معه في حلقة مفرغة، وهذا متأت من حقيقة وجود "درابين" مسدودة في محلات بغداد ولا تؤدي إلى مخرج. لهذا يطلقون على الشاطر والكلاوجي تسمية"أبو درب"، أي صاحب حيلة و"يوديك للشط ويرجعك عطشان".
أما كناية: أبو الدروب، وأم الدروب، فيعنون بها الذين يدورون في المدينة متخلين عن مسؤولياتهم تجاه عائلاتهم. يقال للواحد من هؤلاء : أبو الدروب، كونه يدور دائحا طوال اليوم، لا يكل ولا يمل. ولعل أجمل استخدام لهذه الكناية في الرواية هي التي وردت على لسان سليمة الخبازة في "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان، فحين غضبت ذات يوم من حسين، قالت له: ولك أمشي أبو الدروب.. أي نعم، كان حسين "أبو دروب" فعلا، ومن يريد معرفة ما جرى معه فليقرأ التحفة الخالدة، ويا لها من تحفة!