بغداد: مينا أركان
أصبح العزوف عن الزواج ظاهرة ملحوظة في العديد من المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، حيث يعكس ذلك حالة من القلق والتردد بين الشباب، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات اقتصادية كبيرة، ومن أبرز العوامل التي تسهم في هذا التوجه هو غلاء المهور، الذي يثقل كاهل الأسر ويجعل فكرة الزواج بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.
ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، لا يقتصر العزوف عن الزواج على الشباب فقط، بل يمتد تأثيره أيضًا في الأسر، التي تجد نفسها في موقف صعب عندما يتعلق الأمر بتوفير متطلبات الزواج، لا تقتصر المشكلة على تكاليف المهر فحسب، بل تمتد أيضًا إلى النفقات المرتبطة بالاحتفالات، الضيافة، وغيرها من التفاصيل التي تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسرة. في هذا السياق، يروي علي فرحان (23 عامًا) جامعي ويعمل إلى جانب دراسته، كي يتمكن من إعالة نفسه وعائلته، عن التحديات التي يواجهها، قائلاً لـ»الصباح «في ظل هذه الظروف، يواجه الشباب من جيلي ضغوطًا اجتماعية مستمرة، يُسأل الكثير منا متى ستتزوج؟ متى ستستقر؟ متى سنفرح بك؟»، فالزواج اليوم أصبح أكثر صعوبة بسبب التحديات الاقتصادية، وأبرزها غلاء المهور التي تتراوح قيمتها بين 15 إلى 25 مليون دينار، وقد تصل أحيانًا إلى 50 مليون أو أكثر، وأشار إلى أن هذه الطلبات
المستمرة تجعل الزواج أقرب إلى مشروع استثماري مكلف، بدلاً من كونه شراكة بين شخصين.
هذا نموذج من العشرات من الشباب الذين يواجهون صعوبات مادية في تحقيق الاستقرار الاسري وتكوين اسرة، نظراً لما يواجهونه من تداعيات المهور الباهظة وتكاليف الزواج، التي باتت غير ممكنة إلا في الأسر المتمكنة!
معتقداتٌ سائدة
من جانبه، يرى الباحث والأكاديمي الدكتور قاسم الكناني أن المهور تشكل جزءًا مهمًا من القضايا الاجتماعية والثقافية، التي تؤثر في تكوين الأسر في المجتمعات المختلفة، وفي حديثه لـ»الصباح»، أضاف الكناني أن «الاختلاف في قيمة المهور يعود إلى البنية الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع، حيث تُحدد هذه القيم بناءً على التقاليد والمعتقدات السائدة، حتى داخل المجتمع الواحد، نجد تباينًا في قيمة المهور وأهميتها، بناءً على ثقافة العائلة وظروفها الاقتصادية»، مشيراً إلى أن بعض الأسر ترى أن ارتفاع قيمة المهر يعزز مكانة الفتاة، مما يؤدي إلى مطالب مبالغ فيها مثل الذهب أو الأموال الطائلة، وهو ما يسهم في عزوف العديد من الشباب عن الزواج.
وأكد الدكتور الكناني أن هذه الممارسات تؤدي إلى تأثيرات سلبية على المجتمع، بما في ذلك تأخير الزواج أو حتى عزوف الشباب عنه، مما يسهم في زيادة مشكلات اجتماعية مثل العنوسة أو العلاقات غير الشرعية، كما أضاف أن المهر المرتفع لا يضمن بالضرورة حياة زوجية سعيدة، بل قد يسبب توترات وضغوطًا على العلاقة منذ بدايتها
تغييراتٌ اجتماعيَّة
تظهر الدراسات أن ارتفاع المهور قد يُعرقل تأسيس الأسر ويزيد من الضغوط الاجتماعية، وبالتالي، أصبح من الضروري النظر في حلول عملية لتخفيف العبء المالي المترتب على الزواج، والتفكير في تغييرات اجتماعية، تسهم في إعادة النظر في الممارسات المرتبطة بالمهور، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الأسري والمجتمعي.