ا.د.محمد بهجت ثامر
تعد عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول وخصوصًا ذوات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة أمرا معقداً، وغالباً ما يحتدم الخلاف ويتم اللجوء إلى الأمم المتحدة، اذ تتداخل مصالح الدولتين أو أكثر من الدول المتقابلة أو التي تتلاصق مناطقها البحرية، وإذا کانت الحدود البرية لا تثير العديد من المشكلات لأنها غالبًا ما تفصل بين الدول وبعضها بمعالم واضحة، فإن الحدود البحرية تختلف تماماً لكونها لا تقتصر على الدولتين اللتين يفصلهما حد بحري، بل يمتد ذلك إلى باقي دول العالم؛ لذلك تعد عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول من أهم موضوعات القانون الدولي، والتي تسببت في أكثر النزاعات التي عرضت على القضاء الدولي والذي لعب دورًا كبيراً في حسم الكثير من النزاعات، التي تنشأ بين الدول بسبب ترسيم الحدود البحرية، ويتضمن قانون البحار تقسيم البحار إلى مناطق بحرية، ويحدد هذا القانون حقوق وواجبات الدول، وكذلك السفن التي تحمل علمها في تلك المناطق، ووفق المادة السادسة من اتفاقية جنيف الصادرة سنة 1958 فأن حدود الجرف القاري بين الدول المتقابلة أو المتجاورة يتحدد بالاتفاق فيما بينهما، وفى حالة عدم وجود اتفاق فإن خط الحدود هو خط الوسط أو خط البعد المتساوي وقد ظل تحديد الحدود البحرية بين الدول محكوما بالمادة السادسة من اتفاقية جنيف ولم تكن هناك مشكلات بين دول العالم ولكن مع الأهمية المتزايدة لموارد البحار، بصفة خاصة النفط والغاز الطبيعي برزت حاجة إلى كل ميل بحري من أجل الاستفادة من الموارد وتعزيز الاقتصاد الوطني.
لذلك تبنت الأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار عام 1982 والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994 حيث تولت الاتفاقية تحديد المناطق البحرية التي تمارس عليها سيادة مقيدة (بحر إقليمي) والمناطق التي تمارس عليها حقوق سيادية (المنطقة المتاخمة، المنطقة الاقتصادية الخالصة، الجرف القاري).
يعد خور عبد الله، ممرا مائيا ضيقا يفصل بين العراق والكويت، ويمثل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين، ويقع الخور شمال الخليج العربي، بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية في عام 2013 أقر مجلس الوزراء العراقي، اتفاقية مع الكويت تتعلق بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله المطل على مياه الخليج.
وصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية في وقت لاحق من العام ذاته، لتدخل رسميا حيز التنفيذ، أحدثت الاتفاقية مشكلات بين البلدين اعادت إلى الواجهة المشكلات الحدودية بين بغداد والكويت، والتي عمل البَلَدانِ على تجاوزها بعد التحسن التدريجي في العلاقات الثنائية بين البلدين، المشكلة تكمن ان خور عبدالله ممر عراقي خالص و لا يزال يُدار من العراق فقط عمل خلال مراحل مختلفة على تحديثه وتوسيعه وانتشال الغوارق وكري المساحة المائية فيه، لتكون صالحة لمرور السفن، في حين تتضمن الاتفاقية وضع خطة مشتركة بين البلدين لضمان سلامة الملاحة في خور عبدالله وديمومتها وتنفيذها كما نصت على وضع القواعد والإجراءات المتعلقة بالتلوث الناتجة عن الملاحة البحرية والحد منها وفقا للمعايير والاشتراطات الدولية.
تمتلك الكويت سواحل على الخليج العربي تبلغ طولها 195 كم في حين لا تتجاوز سواحل العراق 58 كم ووجود جزيرتي وربة وبوبيان قبالة سواحل العراق، وعلى مسافة قريبة منها، يحرمه من امتلاك موانئ عميقة واستقبال السفن العملاقة، أو أن تكون له منطقة اقتصادية واسعة، لذلك نرى ان الاتفاقية مجحفة بحق العراق وتحرمه من حقوقه وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهنا تبرز ضرورة تدويل القضية للحصول على حقوق العراق وفق القوانين الدولية.