تجسيد الهويَّة الفنيَّة

ثقافة 2019/07/06
...

حسين رشيد
 1
اعتادت الأمم والشعوب المتحضّرة تخليد أبطالها ومثقفيها وادبائها ورسم ملامح تاريخها بنُصُبٍ تبقى شاهدة على ذلك التاريخ، تعرض بطريقة سلسة وذكية كلّ ملامح الحدث وأبعاده،فضلا عن دورها كدليل يمنع تزوير ذلك التاريخ أو جوانب من أحداثه وتفاصيلها وفي النهاية فهي، أي هذه النصب والتماثيل، تشكّل عناصر الجمال المعماري والفني لأية مدينة تقوم في ساحاتها وأماكنها البارزة. فالاهتمام بالنصب الخاصة وبالأحداث الكبيرة والمتغيرات التي تعكس وتمجّد بطولات الشعب ومآثره تشكّل في الوقت نفسه نظاما أو جزءا من نظام للقيم الوطنية والأخلاقية لذلك 
الشعب.
 لكن الذي يبدو اننا أدمنّا ممارسة إخفاء وإزالة أحداث التاريخ التي حصلت وانتهت، كما حصل مع معالم حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وبشكل خاص المتنزهات التي كانت تضم عددا من النصب لفنانين كبار، وهو ما أراه حصل في متنزه 14 تموز في الكاظمية حين تمّ تشويه الاقواس التي صممها المعماري العراقي قحطان المدفعي والتي يفترض أن تكون علامة مضيئة في المتنزه.
 
2
الامر الثاني غياب وجود اي نصب لمثقف او اديب عراقي في ساحات بغداد الواسعة المساحة، وهنا تؤشر نقطة على مبادرة ألق بغداد التي أغفلت مثل هذا الامر الضروري والحيوي لتنشيط ذاكرة الاجيال الثقافية وتعريفهم بالرموز الثقافية العراقية التي أسهمت بصناعة الابداع العراقي ادبيا وفنيا إن كان في المسرح والسينما والتشكيل والنحت والغناء والموسيقى وغير ذلك من مجالات
 الابداع.
علينا تأكيد هوية بغداد الثقافية والتاريخية فليس بالشيء الكثير عبر وجود حديقة او متنزه تتوزع فيها نصب لرموز ثقافية عراقية اسوة ببقية المدن والعواصم العربية والاقليمية، او توزع في ساحات بغداد قاطبة واغلبها يتمتع بمساحة واسعة لضم اكثر من نصب او تمثال، وان تعذر ذلك فالامكان عمل نصب كبير يحمل الهوية الثقافية العراقية بتنوعاتها الابداعية، نصب يحاكي مسيرة الابداع العراقي وتجدده عبر الازمان والمراحل، وهنا يأتي تجسيد وتأكيد الهوية الابداعية العراقية الفنية والادبية.
 
3
على مدار أشهر السنة تقام المعارض الفنية التشكيلية ان كان في العاصمة بغداد او في مدن البلاد الاخرى، وتحظى بتواجد اعلامي وفني كما يتم بيع عدد من اللوحات الفنية التي حتما تضع لمجسات خاصة من قبل المقتنين حسب توصيفاتهم، ومنها ما يرسل خارج البلاد لما يتمتع به الفن التشكيلي العراقي من سمعة ومكانة مميزة وسمة التجديد والتحديث التي يعمل وفقها عدد من التشكيليين، لكن المحزن بالامر خلو مكاتب الطبقة السياسية في العراقي إن كانت الحاكمة والبرلمانية والحزبية من اي لوحة تشكيلية او نحت خزفي لفنان عراقي ان كان من الروّاد او الاجيال التي تلتهم او من جيل الشباب الحالي، وهذامؤشر يؤسف له ابتعاد هذه الطبقة عن الفن وجماليته التي يفترض ان تكون هوية مرور الى العالم كما الرياضة والغناء والشعر والرواية.