تصفية القضيًّة الفلسطينيَّة

آراء 2025/02/18
...

 يعقوب يوسف جبر 


استلاب أرض فلسطين من اهلها الفلسطينيين من قبل البريطانيين له غايات متعددة، أولها بسط الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والتلاعب بمقدرات بلدانها وشعوبها ومنعها من صناعة مصيرها بنفسها، إضافة الى منعها من النهوض واللحاق بركب الدول الكبرى.

فمثلا كان الاستيلاء على أرض فلسطين وإقامة دويلة الكيان الصهيوني وسيلة ضغط وهيمنة وابتزاز وتخويف وتهديد لكل دول المنطقة. فمنذ عام 1948 بدأت الخطة الفعلية بتقسيم فلسطين بعد انهاء صفة الانتداب البريطاني على فلسطين. ثم اتخذت هذه الخطة عدة مسارات ومنحنيات خلال العقود الماضية لتدخل اليوم في معترك جديد، فما جرى في غزة من تدمير لبناها التحتية وقتل بعض مواطنيها ومحاصرتهم وتجويعهم داخل حدودها ثم وقف إطلاق النار الغاية منه استسلام أهلها وفرض مشروع تهجيرهم من غزة إلى الأردن ومصر، كله يأتي في سياق إنهاء الوجود الفلسطيني تماما في ارض فلسطين. فمقترح ترامب المتضمن مشروع التهجير ليس الهدف منه إعانة الفلسطينيين وإغاثتهم، بل إن الهدف هو تخلية ارض فلسطين من كل فلسطيني والسماح للكيان الصهيوني، ببسط نفوذه وهيمنته على كامل التراب الفلسطيني.

وفي حالة تطبيق خطة ترامب وتهجير الفلسطينيين ستبدأ خطة التوسع الأخرى باتجاه الاردن وسوريا ولبنان ومصر لتمكين دويلة الكيان الصهيوني من التوسع أكثر نحو الشرق والجنوب والشمال.

فالولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها مصلحة شعوب المنطقة، بل هدفها الهيمنة على المنطقة للحفاظ على منابع الطاقة فيها. لأن فقدانها لهذه الهيمنة يعني فقدانها لنفوذها في العالم أجمع وتقلصها وانحسار هيمنتها على السوق الاقتصادية الدولية.

لذلك فهي لا تفرط ابدا بهذه المنطقة بل تستخدم كل الوسائل غير المشروعة للهيمنة على مقدراتها. كما إن هذه المنطقة تشكل سوقا استهلاكية للولايات المتحدة الامريكية. عودا على بدء فإن من ضمن غايات سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تصفية القضية الفلسطينية ومحوها من ذاكرة شعوب المنطقة.

وقد لعبت سياسة التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية الدور الأكبر في نجاح جزء من خطة التصفية. ولن تتوقف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية عند هذا الحد، بل ستمد سياستها الى مجالات أخرى وهي استهداف ثقافة هذه الشعوب ومحاولة تشويه هويتها وتضييعها، كما انها تراهن على ظهور اجيال جديدة ومحاولة حملها على تبني توجهات وافكار جديدة وحديثة قد تسهم في تحقيق هذا الهدف الجوهري. إن الولايات الامريكية المتحدة تعتبر الأجيال المقاومة بمثابة تحد كبير وقوة رادعة ومعارضة ومقاومة لسياساتها في المنطقة.

لذلك دعمت الكيان الصهيوني بقوة لاستهداف الجيل المقاوم في غزة وجنوب لبنان وسوريا والعراق الغاية منه خلق مجتمعات غريبة عن تاريخها وهويتها.

ولو افترضنا تحقق هذه الغاية وهي طمس الهوية القومية فسنكون ازاء تحولات جديدة وواقع هيمنة جديد. لكن هل من المحتمل ان تنجح الولايات المتحدة الامريكية في تذويب الهوية الاصيلة لهذه الشعوب بتصفية القضية الفلسطينية؟ 

حسب معطيات التاريخ وتجارب شعوب العالم المتحررة لا يمكن لهذه السياسة ان تنجح فمن المحال انتزاع ثقافة شعوب تجذرت فيها منذ زمن بعيد، مهما حاولت الولايات المتحدة الامريكية ذلك.