الخلافات الأميركيَّة الأوروبيَّة بشأن مفاوضات أوكرانيا

آراء 2025/02/18
...

 محمد علي الحيدري


تشهد الساحة الدولية حالة من التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وأوروبا، بشأن مسار المفاوضات المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، في ظل تحركات تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل منفرد لإطلاق محادثات مباشرة مع روسيا. هذه الخطوة، التي جاءت دون تنسيق مسبق مع الحلفاء الأوروبيين، أعادت إلى الواجهة خلافات قديمة تتعلق بتباين الأولويات الاستراتيجية للطرفين حيال الأزمة، وأثارت تساؤلات حول مستقبل هذه المفاوضات ومدى قدرتها على تحقيق سلام مستدام في أوكرانيا.

ففي خطوة وُصفت بالمفاجئة، أعلن المبعوث الأمريكي إلى أوكرانيا أن "أوروبا لن تكون جزءًا من محادثات السلام"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تفضّل التفاوض مباشرة مع موسكو، بينما يجب على الأوروبيين تحمّل مسؤولية أمنهم الإقليمي. (رويترز) هذا الإعلان ألقى بظلاله على العلاقات عبر الأطلسي، إذ اعتبرته العواصم الأوروبية مؤشرًا واضحًا على تراجع التزام واشنطن بمبدأ التنسيق المشترك، الذي كان أساسًا للسياسات الغربية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية عام 2014.

وأمام هذا التطور، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لقمة طارئة لبحث تداعيات الموقف الأمريكي، محذرًا من أن "أي اتفاق يتم التوصل إليه بمعزل عن أوروبا لن يكون قابلًا للتنفيذ على الأرض". (ذا غارديان) موقف باريس يعكس مخاوف أوروبية أوسع من أن تسفر المحادثات الثنائية بين واشنطن وموسكو عن اتفاق لا يراعي المصالح الأمنية الأوروبية، خصوصًا ما يتعلق بحدود أوكرانيا ووجود القوات الروسية في المناطق التي شهدت نزاعًا عسكريًا.

وفي كييف، عبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استيائه من استبعاد بلاده من المفاوضات، مؤكدًا أن "أي محادثات لا تشارك فيها أوكرانيا لن تحقق السلام، بل ستمنح روسيا فرصة لفرض شروطها". (ذا غارديان) هذا الموقف يسلط الضوء على معضلة أساسية في النهج الأمريكي الحالي، الذي يبدو وكأنه يستند إلى صفقة كبرى مع موسكو بمعزل عن الأطراف المتأثرة بشكل مباشر. وتنبع هذه الخلافات من اختلاف جذري في النظرة إلى الأزمة. فمن وجهة نظر واشنطن، تمثل أوكرانيا جزءًا من معادلة أوسع في المنافسة مع روسيا، بينما ترى أوروبا أن أمن كييف مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمنها الداخلي. ولعل الدعوة المتكررة من جانب ترامب لأن تزيد أوروبا من إنفاقها الدفاعي تعكس رغبته في إعادة هيكلة الأعباء الأمنية داخل حلف الناتو، ما يجعل الأوروبيين يشعرون بأنهم تُركوا لمواجهة تهديدات موسكو وحدهم. في ظل هذا المشهد المعقد، يمكن استقراء عدد من السيناريوهات المستقبلية بشأن مسار هذه المفاوضات ومدى تأثيرها على العلاقات بين ضفتي الأطلسي:

إذا ما تمكنت إدارة ترامب من التوصل إلى اتفاق مع موسكو يتضمن وقفًا لإطلاق النار وسحبًا جزئيًا للقوات الروسية من شرق أوكرانيا، قد يؤدي ذلك إلى تهدئة نسبية للصراع. غير أن هذا السيناريو يتوقف على مدى استعداد روسيا لتقديم تنازلات فعلية، وهو أمر مشكوك فيه بالنظر إلى مواقف موسكو المتصلبة.    

من المرجح أن يؤدي استبعاد الحلفاء الأوروبيين إلى تعطيل عملية السلام، إذ سترفض العواصم الأوروبية دعم اتفاق لم تكن طرفًا فيه. كما أن كييف لن تقبل بأي تسوية تفرض عليها من الخارج، ما قد يُعيد الصراع إلى نقطة الصفر. قد تدفع هذه التوترات أوروبا إلى تكثيف جهودها لتحقيق استقلال استراتيجي عن الولايات المتحدة، من خلال زيادة ميزانياتها الدفاعية وتفعيل مبادرات مثل "الجيش الأوروبي الموحد"، وهو ما دعا إليه زيلينسكي مؤخرًا.

في حال فشل جميع الجهود الدبلوماسية واستمرار الخلافات الغربية، قد تجد روسيا فرصة لتصعيد عملياتها العسكرية شرق أوكرانيا، ما قد يدفع الناتو إلى تعزيز انتشاره العسكري في أوروبا الشرقية، وبالتالي تصاعد التوترات إلى مستوى غير مسبوق.

في ظل هذه السيناريوهات، يبدو أن الخلافات الأمريكية الأوروبية بشأن أوكرانيا ستبقى عاملًا حاسمًا في تحديد مسار الأزمة. وبينما تسعى واشنطن إلى تحقيق اختراق سريع عبر المفاوضات الثنائية، تتخوف أوروبا من أن تكون النتيجة اتفاقًا مؤقتًا لا يعالج جذور الأزمة، بل يمنح روسيا فرصة لترسيخ نفوذها في المنطقة.