د. هاني عاشور
في عودة لبدايات القرن العشرين، قرن الحروب الدموية الكبرى، هل كان يخطر على بال قادة الجيوش وتجارة الأسلحة أن حروب المستقبل ستتجاوز الاسلحة التي يخوضون بها حروبهم، أم أنهم أدركوا أن ما لديهم كان هو آخر ما توصلت اليه عقول البشر الضال.
لأكثر من سبع آلاف سنة مرت كان الحروب مواجهات مباشرة برماح وسيوف وسهام، ليس بين جيش وعدوه سوى مسافات قصيرة، حتى حلّت القرون الأخيرة بعد اكتشاف البارود إلى حروب مسافات أكثر بعدا، تقتل الكثير ولا تتوقف الا بإبادة جيش العدو أو فراره أو أسر افراده.
انقضت تلك الحروب ومع القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كانت الحروب أشدّ قسوة ورهبة، لكن عقل البشر لم يتوقف عند تلك الحروب بل كان يطمح لأن يجد وسائل أكثر دمارا وفتكا وتدميرا، اذ لم تعد الجيوش الجرارة والطائرات والدبابات والمدافع كافية لتشفي غليل الحقد بين الأمم والدول.
كانت الولايات المتحدة الامريكية قبل غيرها تفكر في شهوة القتل والتدمير، وتخترق أسرار التكنولوجيا العالمية وما حصل فيها من التطور في مجالات التكنولوجيا العسكرية والمدنية، وتأثيرها المحتمل في طريقة شن الحروب مستقبلاً، فكانت القنبلة الذرية صورة بشعة لمستقبل الحروب، وكانت هيروشيما وناكزاكي بداية موقعة وفاجعة لعصر تسليحي جديد، علامته الأولى مقتل مئات الآلاف دون أن يكون ثمة رد سوى حصول دول أخرى على القنبلة الذرية، ليعود العالم ليس إلى وعيه بل إلى تكافؤ الدمار، حتى بدأ العالم يفكر بحروب مستقبل جديد، من أهمها طبيعة تلك التي لن تكون فيها معارك بين جيوش وطنية، أو ميليشيات غير رسمية؛ بل ستستخدم فيها أسلحة غير تقليدية، كالهجمات السيبرانية، والأدوات المالية المشتقة، وأسلحة تقليدية بطرق جديدة منها استخدام البرامج الضارة لاستهداف البنية التحتية الاستراتيجية أو سرقة المعلومات عبر التكنولوجيا الالكترونية.ودخلت الأقمار الصناعية ضمن العناصر الرئيسية في أنظمة الدفاع القوي، فقد كانت الأقمار الصناعية الأمريكية لبرنامج دعم الدفاع جزءاً أساسياً من أنظمة الإنذار المبكر في أمريكا الشمالية، إذ تساعد هذه النوعية من الأقمار في اكتشاف عمليات إطلاق الصواريخ وعمليات الإطلاق الفضائية وكذلك التفجيرات النووية، ليكون ذلك من اجندات حرب المستقبل، وليكتمل هذا الملف بتطور آخر هو الطائرات المسيرة من دون طيار والتي لم تعد صناعتها مقتصرة على الدول الكبرى، بل أصبحت تكنولوجيا بسيطة يمكن التعامل معها بسهولة، وليكتمل كل هذا الفناء المستقبلي بتطور أنظمة الصواريخ الباليستية ليشكل التهديدات المستجدة، مثل الصواريخ الفرط صوتية والتمدد في مسافات الاستهداف وحمل الرؤوس النووية أو حمل أوزان ثقيلة من المتفجرات، حتى تؤكد التقارير المعتمدة أن الولايات المتحدة أنفقت نحو 165 مليار دولار على مدار 65 عاماً لتطوير نظم دفاع جوي لمواجهة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي ما زالت تتطور دون حدود معلومة، حتى اصبح منها ما يتم تحميله في بوارج حربية، أو البحث الآن في تحميله لغواصات بحرية تتمكن من اطلاقها.
إلا أن أكثر من يقلق الدول المصنعة للأسلحة ويزيد من انفاقها في العالم اليوم، هو السباق في إنتاج أسلحة مضادة لأسلحة الطرف الآخر، والتي بلغت ذروة التحديات بين الدول، والتي تسهم في تطوير ملامح حرب المستقبل، التي لن تكون في كل الاحوال سوى حرب ماحقة للوجود البشري على الارض.