د. علاء هادي الحطاب
كلمة "العفرتة" واحدة من الكلمات الحصريَّة في اللهجة العراقيَّة الدارجة، إذ تُستخدم لوصف حالة الفوضى، العشوائيَّة، أو التصرف غير المنظم المصحوب بالتهديد وبلا مسؤوليَّة، وهذا السلوك ينطبقُ عادة على من لا يتعاملون مع الآخرين باحترامٍ وكياسة وتحملُ المسؤوليَّة والقانون والأعراف، بل يتعاملون وفق منطق القوة وإجبار الآخرين، لذا يصنفُ العراقيون هذا السلوك اختصاراً بالعفرتة.
العلاقات الدوليَّة تحكمها المصالح، وإنْ كانت هذه المصالح خاضعة لمنطق القوة والنفوذ في تقديم إحداهما على الأخرى، فمقدرات وإمكانيات بلدان العالم مختلفة من حيث الأوزان، وفي سبيل عدم تحول هذا العالم الى غابة يأكل القوي فيها الضعيف وجدت القوانين المنظمة لعلاقات دول العالم، أو ما نسميها مجازاً بـ" الشِرعة الدوليَّة" إذ وجود مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدوليَّة، فضلاً عن اتفاقيات دوليَّة حاكمة للسلوك السياسي للدول المتفقة والمتصارعة كلها وسائل في سبيل إيجاد ضوابط تحكم العلاقات والنزاعات بين الدول، لذا عندما تبرم دولتان أو أكثر اتفاقياتها، تضع هذه الاتفاقيَّة لدى المؤسسات المعنيَّة في الأمم المتحدة والعودة إليها في حال ظهور الخلاف بين الدولتين إبان تطبيق تلك الاتفاقيَّة ولضمان وجود مؤسسة محايدة تحكمُ في حل النزاعات الناتجة عن ذلك.
نعم عامل القوة يصبُّ دائماً في صالح الدولة التي تمتلكها، إبان النظر في خلافات تلك الدول من قبل مؤسسات الشِرعة الدوليَّة، لكنْ حتماً ليس عن طريق "العفرتة"، بل إيجاد مخارج معينة لذلك.
ما يجري اليوم في تعامل الولايات المتحدة الأميركيَّة وفق "السلوك الترامبي" و"الشعبويَّة الترامبيَّة" مع قضيَّة غزة خصوصاً وفلسطين عموماً التي امتدَّ فيها الصراع لأكثر من سبعين عاماً ذهب فيه آلافٌ من الشهداء والجرحى في سبيل الحفاظ على حق الأرض والوطن هو تعاملٌ أقل ما يُقال عنه "عفرتة"، إذ بعد كل هذه التضحيات الكبيرة، يقرر شخصٌ واحدٌ في هذا العالم أنَّ غزة يجب أنْ يُهجرَ أهلُها وتتحول من قضيَّة وطنٍ وهويَّة الى مجرد ساحلٍ سياحي ترفيهي، بل ويجب أنْ تقبلَ دولٌ أخرى هؤلاء الغزاويين المهجرين قسراً، بل وتبني دولٌ أخرى هذا المنتجع السياحي الغزاوي الجديد، كل ذلك لضمان رضا الشعبويَّة الترامبيَّة وعدم نزول غضبه على تلك الدول، فلا حقوق إنسان ولا شرعة دوليَّة ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن دولي ولا مؤسسات ومنظمات عالميَّة، بل الفعل في ما قاله ترامب.
بينما تتطور الحضارات ويتقدم الإنسان إيجاباً في سلوكه وتعامله مع الآخر، حتى إنْ كان هذا الآخر حيواناً صغيراً "كلباً أو قطة أو ماعزا أو طيراً" نجد العفرتة الترامبيَّة تريدُ محوَ دولة من جغرافيا العالم، بل محو شعبٍ كاملٍ من التأريخ وإرغام دولٍ أخرى على الإسهام بذلك، فأي منطقٍ اليوم يحكم العالم؟