رحلة مروعة في تاريخ كوريا الجنوبية الدموي

ثقافة 2025/02/19
...

أنتوني كومينز

ترجمة: رؤى زهير شكر 

حينما فازت هان بجائزة نوبل، قالت إنها لا تستطيع الاحتفال وسط وجع حربي غزة وأوكرانيا

عندما نشرت هان كانغ روايتها «النباتية» (2015) الفائزة بجائزة البوكر الدولية، والتي ترجمتها ديبورا سميث، كانت  تدور أحداثها حول ربة منزل من كوريا الجنوبية تتخلى عن تناول اللحوم وتريد أن تصبح شجرة. 

دخلت الرواية خضم لائحة الروايات المترجمة باللغة الإنكليزية التي تتناول الشهوات النسائية وسيطرة الذكور، إلا أن الكتب التي جاءت بعد ذلك كان من الصعب تثبيتها، فبعد رواية «الأفعال البشرية»، التي تدور حول مذبحة الطلاب المتظاهرين في عام 1980 في مدينة غوانغجو مسقط رأس هان، جاءت رواية «الكتاب الأبيض»، حيث تتأمل روائية في وفاة أختها الصغرى، بالطريقة  التي تتأمل فيها مدينة وارسو في زمن الحرب. 

ثم جاءت رواية «دروس اليونانية» في عام 2023، التي تدور حول عجز شاعر مُطلق عن التواصل.

«نحن لا نفترق»، هي أول رواية لهان تُرجمت منذ فوزها بجائزة نوبل للآداب نهاية العام الماضي، فهي تحتوي على عناصر جُمعت من الروايات السابقة لهان، إذ تُعد رواية قوية وغامضة، وغير متصلة زمنياً، ومليئة بالسرد المتداخل ــ الذي غالباً ما يكون مبنياً بهيئة محادثات تم تذكرُها حول محادثات متذكَّرة ــ لكونها تنبثق من الرعب التاريخي، إلا أنها تنحرف أيضا للواقعية السحرية الهلوسية من دون كسر الإطار الخيالي الذاتي المعقول الذي تبدأ به.

الراوية في هذه الرواية هي الكاتبة كيونغها المقيمة في سيئول، التي انحرفت حياتها عن مسارها بعد نشر رواية تشبه إلى حد كبير رواية هان (أفعال بشرية)، (تتحدث عن «مذبحة في جي-»).

حتى مشهد المارة يعد بالنسبة لها أمرا مؤلما، فهو يذكرها بهشاشة الحياة قائلة: «إذ إن الجسد والأعضاء والعظام والأنفاس التي تعبر أمام عيني كلها تحمل في داخلها إمكانية الانهيار والتوقف - هكذا بسهولة شديدة، وبقرار واحد».

لا تستطيع هان التخلص من ذكرى الناجين الذين كتبت عنهم، وتضع نفسها مكان الأمهات اللائي احتمين من إطلاق النار مع أطفالهن في بئر، حيث تقول: « كان الأمر محيرا في الماضي، إلا أنه بعد قرار الكتابة عن عمليات القتل الجماعي والتعذيب، أتساءل كيف يمكنني بسذاجة - بوقاحة - أن أتخلص من عذابها، وأن أفقد آثارها بيسر؟ «.

كل هذا يحدث في نقطة غير محددة في الوقت الحاضر القريب. 

كيونغها، التي كانت تعمل في السابق لإعالة أسرتها، لم تعد مضطرة إلى ذلك الآن - ليس فقط لأن ابنتها لم تعد طفلة، ولكن  بسبب بعض الخلافات الأسرية التي لمحت لها بخجل بعد ذلك.

كان كفاحها من أجل التفكير في أي شخص يمكنه حمل وصيتها - وهذا ما يُعد رمزا لورطتها - عندما تأتي رسالة نصية من إنسون ، زميلة قديمة لها من أيام عملها في الصحافة.

فنانة تشكيلية تعيش بمفردها في جزيرة جيجو، تبعد نحو 300 ميل، وهي الآن في المستشفى في سيئول بعد حدوث حادث في الاستوديو الخاص بها، وهي بحاجة إلى كيونغها للذهاب لرعاية طائرها الأليف المهجور، وهو الطلب الذي تقبله كيونغها، بالرغم من خطورة الرحلة المغطاة بالثلوج.

وهكذا حتى  تتحول عملية تأمل الرواية إلى مهمة إنقاذ خيالية («أخبرتني إنسون أنه لغرض إنقاذها يجب علي أن أحضر لها الماء خلال 

النهار. 

ولكن متى ينتهي اليوم بالنسبة للطائر؟»)، وتتغير نبرتها أكثر بمجرد وصول كيونغها لتجد إنسون  ــ أو صورة مرئية عنها ــ هناك بالفعل، ومستعدة هذه المرة لتوسعة الحديث عن الرعب الذي دار حوله حديثهما السابق: حيث القتل الجماعي الذي ارتكبته الدولة للمدنيين في جيجو أثناء العنف المناهض للشيوعية في أواخر الأربعينيات، قبل الحرب الكورية، وهو التاريخ الدموي الذي ترك ندوباً على عائلة إنسون، وخاصة والدتها الراحلة، التي اعتنت بها إنسون حتى أصيبت 

بالخرف.

في نهاية المطاف، تشكل الشهادات المروعة التي تقدمها كيونغها عاملا رئيسا لرواية «نحن لا نفترق».

وعلى النقيض من رواية «أفعال بشرية»، فقصص العنف لا تصلنا إلا من خلال إعادة سرديتها، بل إنها تكون بديلا عن الاقتباس، إلا في شكل مقابلات مع شهود العيان والأقارب الذين تسمع كيونغها رواياتهم من إنسون وبعد ذلك تنقلها لنا - وهي تقنية سرد القصص - إلا أن هذا الأداء لا يقل جودة عن أداء هان، برغم منحه انطباعا بأنه أقل غطرسة وأكثر دقة من الناحية الأخلاقية.

عندما فازت هان بجائزة نوبل، قالت إنها لا تستطيع الاحتفال وسط حربي غزة وأوكرانيا، بينما رّدَ جون بانفيل بوقاحة قائلاً: على اللجنة سحب الجائزة، لكن سيكون من الصعب قراءة رواية «نحن لا نفترق» وعدم التفكير بصدق كلماتها.

 حتى في تلك الصور التي تبدو غير ضرورية للقارئ - شاهد الأوصاف المتكررة لندفات الثلج - حيث تصر هان بهدوء على ضرورة الانتباه، وعدم الابتعاد أبدا، والنظر، والرؤية. 

وباعتبارها رسالةً، قد تبدو غير متماسكة إلى حدٍ ما، بل وحتى أنانيةً، وتقدم مكافأة من دون تكلفة، ولكن من الجدير أن نتذكر كيف بدأت هذه الرواية الغريبة والمزعجة: مع بطلها المسكون وحيدا بكوابيسه.


الغارديان