غياب التحقيق الصحفي الاستقصائي

الصفحة الاخيرة 2025/02/19
...

زيد الحلي 


خلت معظم صحفنا، وليس كلها، من عنصر مهني جاذب للقراء ومنبّه للمسؤولين في الدولة، وهو التحقيق الصحفي الاستقصائي. واكتفت بإجراء لقاءات على شكل "سين وجيم"، معتقدة أن ذلك هو "التحقيق الصحفي" الذي يشبع نهم القارئ في معرفة ما يريد، متناسية أن التحقيق الصحفي الاستقصائي يمثل صحافة العمق. فهو يقوم على التدقيق الشامل في المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام بمختلف أصنافها، ومتابعة تصريحات المسؤولين التنفيذيين في الحكومة، وما يذكره أعضاء مجلس النواب في مقابلاتهم الإعلامية، ثم يسعى إلى التحقق من مصداقيتها بالصورة، والوثيقة، والمقارنة، مستعيناً بالبيانات والأرقام والأدلة. هذه هي سمات التحقيق الصحفي الاستقصائي الذي لاحظت غيابه عندنا.

على كاتب هذا النوع من العمل الصحفي، حتى يكون مؤثراً في إيصال فكرته الاستقصائية، الابتعاد عن الإغراق في التفاصيل المكررة والمعروفة، وتجنُّب الحشو الذي يشتِّت المتلقّي ويضيع معه المعنى المراد إيصاله. فمهارة الإيجاز مطلوبة بشدة، إلى جانب التسلُّح بأدوات المعرفة في المواجهة الاستقصائية التي يخوضها.

لعل من المفيد التذكير بأن هناك المئات من القضايا التي يمكن التطرُّق إليها في التحقيقات الاستقصائية، وأتمنى على زميلاتي وزملائي الصحفيين الخوض فيها للوصول إلى حقائق الأشياء. ومنها، على سبيل المثال: ازدياد حالات الطلاق، الزحام في المدن، البطالة، أزمة الكهرباء، الخلافات السياسية، الفساد ، المشاريع المتلكئة، المناهج الدراسية، أزمة السكن، والمفاهيم الأسرية بين الأبناء وأولياء أمورهم، وغيرها الكثير. فالتوجه الميداني نحو التحقيق الصحفي الاستقصائي يمنح الصحافة نكهة خاصة، ويعزز وعي القارئ والمسؤول في آنٍ واحد.

وبهذا المعنى، تصبح الصحافة الاستقصائية، كما يقول "مارك لي هنتر" أستاذ الإعلام والصحافة الاستقصائية في جامعة باريس: "بمثابة السلطة التي تراقب أداء المؤسسات الحكومية والمنظمات والشركات بغرض الكشف عن التجاوزات والممارسات الخاطئة، وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة، بما يساعد على تصويب الأوضاع".