ملاحظات على الاستثمار العقاري

آراء 2025/02/20
...

 سوسن الجزراوي


بدءاً، أنا هنا لست في صدد كيل التهم واللوم لجهة معينة دوناً عن الاخرى، بل أحاول أن اطرح موضوع غاية في الاهمية، يرتبط بقضية اجتماعية انسانية، الا وهي مسألة امتلاك وطن. 

نعم، وطن أليس المنزل هو الوطن؟ أليست تلك البقعة مهما كانت مساحتها، والتي تحتضن الانسان وعائلته، دون أن يبقى قلقاً وهو يضع الدينار على الدينار حتى يؤمن قيمة الإيجار الشهري، هي موطنه؟. ولأننا بصدد الحديث عن الاستقرار المعيشي للفرد العراقي، كان من الضروري جدا أن نتابع حركة الإعمار التي لا تدّخر وسائل التواصل الاجتماعي جهدها بطرح كل ما هو منجز أمامنا، كيفما أدرنا وجوهنا، فهنا مشروع وهناك مشروع، وآخر قيد الانشاء، وناطحات سحاب ستكون الاولى في العراق، وبوابة (المحبة) وأرض (الفرح) ومدينة (المستقبل)، وتسميات أخرى تدمي الفؤاد وأنت تراها، لكنك لا تقوى على امتلاك جزءٍ منها ولا حتى في أحلامك.

هذه كلها والكثير من القادم، مما هو قيد الانشاء، يندرج تحت تسمية (مشاريع استثمارية)، والسؤال المهم جدا: لمن هذه المشاريع؟ من المستفيد منها؟ ومن هو صاحب السعادة الذي سينال حصته فيها؟ واين حصة الموظف والمتقاعد من كل هذه المشاريع الجميلة الانيقة؟ أم انها ستبقى حكراً على اصحاب الثروات الخيالية (مجهولة المصدر)، وفي احسن الحالات، لبعض الموظفين من الدرجة الأولى الذين يتمكنون برواتبهم الباهظة، أن يسددوا قيمة القسط الشهري لوحدتهم السكنية هذه التي ينجحون بامتلاكها من بين هذه المشاريع ( الاستثمارية)!.

وللوقوف على بعض تفاصيل قضية الاستثمار هذه، فإن الارض تمنح مجاناً للمستثمر، ومع مرور وقت قليل على تشييد المباني، يستطيع الحصول على قروض كبيرة من البنوك مع اعفاء من الضرائب على المواد المستوردة لاستخدامها في البناء، كذلك منح سمات دخول الايدي العاملة بكل سهولة.

امام كل هذه الامتيازات نتساءل: لماذا يتم بيع هذه الوحدات السكنية باسعار فلكية؟ ولماذا لا يتم الاتفاق مع هذا المستثمر حول تسعيرة هذه (الوحدة)، بما يتناسب مع التسهيلات المقدمة له؟ لقد أصبحت هذه المشاريع مثل النقمة التي تستوطن الارض، فالمستثمر لاعلاقة له بما يجري، همه الاول والأخير ما يجنيه من أرباح وما يعود عليه من منفعة مادية، واذا كنا منصفين بالحد الادنى، فيمكننا أن نبرئ ساحته إلى حد ما، كونه في النتيجة تاجر! والتجارة ربح أولا عند ( المستثمر ) المحترف، الملام الاكبر هنا، هي هيئة الاستثمار التي لاتضع آلية خاضعة للمعايير المنطقية الانسانية، التي تنجح بمسك العصا من الوسط، أي أن تكون هذه المباني، بعوائد ربحية للمستثمر، مع مراعاة الواقع المادي للمستهلك، للمواطن العادي ذي الدخل المتوسط، كي يمكنه شراء وحدته السكنية، وألا هل يعقل أن تكون الدفعات الشهرية عابرة لسقف الرواتب الطبيعية؟

بعض الحلول التي قدمتها الدولة والتي لا تصب في خدمة المواطن ايضا، هي القروض العقارية التي تغطي ثلث قيمة الوحدة السكنية في الاغلب الاعم، مع وجود فائدة مالية على هذا المبلغ، ليجد نفسه بالتالي امام دفعات يستحيل تغطيتها، فهو مطالب بتسديد القرض العقاري شهريا من ناحية، ومطالب بتسديد دفعات شقته من ناحية أخرى في بعض المجمعات، ما يجعل حلمه في امتلاك سكن، يتحول إلى كابوس مخيف.

وامام ما تقدم، يحق لكل مواطن أن يطلب من المسؤولين أن تتم مراجعة ما يجري في قضية الاستثمار العقاري، فنحن بلد ثري ومن المحزن أن يقضي العراقي حياته تحت سطوة وظلم المؤجر الذي يحوّله إلى آلة جامدة لاهم لها الا دفع ايجارات مرعبة تصل إلى قيمة الراتب باكمله، وتكون أحيانا كثيرة (بالدولار ).