د. أثير ناظم الجاسور
لم تكن سوريا منذ تأسيس الدولة ولغاية اليوم بعيدة عن المعادلة الاقليمية – الدولية، التي تلعب دوراً في تحديد معايير الحكم والإجراءات وتنظيم سلوك صناع قرارها بما يتوافق والمصلحة الخارجية، حالها حال كل الدول الغربية منذ اعتقادها بالخلاص من الاستعمار، لتدخل مرحلة استعمار جديد هيمن على كل المحركات التي أرادت ان تُصحح مسار العملية السياسية بما يتناسب مع مقومات بناء الدولة ضمن حيز الوطن المستقر، قد تختلف الأدوات مع اختلاف المراحل التي تمر بها الدول إلا أنها لم تتعرض للتغيير في ما يخص النموذج المؤمن بالتعدد الفكري المقوم على أقل تقدير، سوريا تعرضت لأكبر تحدي في تاريخها وهي تتعرض لتسلط الحزب الواحد ذي الشخص الواحد بعد أن تم اختزال الدولة والشعب بأسم الحاكم ومتبناه، لتدخل مرحلة مرعبة أهمها كان تكميم الافواه والاقصاء وقتل الفكرة لتخضع لنظام ذي ايديولوجيا متخيلة لا معنى لها سوى أنها صيغت معانيها لخدمة العائلة والحزب الواجهة بكل التفاصيل، سوريا البعث تعددت ادواتها الحاكمة تارة حصرها بأيديولوجيا البعث - الطائفة وتارة البعث - القومية، وبين هذا وذاك كان الهم الأكبر كيف تُسيطر العائلة على مفاتيح حكم سوريا والعمل على توفيق مصالحها مع مصالح الثنائية الدولية - الاقليمية، بالتالي كان الشعب السوري والدولة رهناً لفكر الحاكم المهيمن المسيطر بواقع الحزب وشعاراته المأزومة.
منذ العام 2011 بدأ الشعب السوري يفكر خارج صندوق السلطة باحثاً عن حريته التي يعدها قضية مهمة ولها معانً عظيمة تستحق التضحية لما تعكسه من شعور كبير بالإنسانية، التي تعد ايضا قيمة تتعدى كل القيم، فضلاً عن الخلاص من أن يكون المواطن والوطن مشروعاً يعكس رغبات الخارج بكل ما للمصلحة الخارجية من معنى، أي رفض أن يتحول الإثنان الى جسور ومجرد خطابات يشبع بها الحاكم نرجسيته ونقصه وفشله، وما شاهدناه على مواقع التواصل من جرائم وما تم تسريبه من مقاطع حية للتعذيب والقتل يبين فداحة ما كان يعيشه هذا الشعب.
انتهت حقبة الاسد بكل ما لها وما عليها وبدأت مرحلة مهمة من مراحل صناعة سوريا جديدة كما يراها الغرب وحتى العرب المتراكضين صوب التأييد والترحيب بناء على ما تم إعلانه من قبل أمريكا، لكن السؤال الأهم من سينظم الدولة في سوريا؟، فما تسمى بجماعة هيئة التحرير لا تستطيع بسط نفوذها القانوني والشعبي على الكامل السوري بعد أن سيطرت إسرائيل على أجزاء منها وتركيا تتحكم بإجزاء اخرى، سوريا اليوم لاتزال بوجه سياسي واحد مع تغيير الايديولوجيا، التي لا تسمح بالتجميل بعد أن سيطر السلفيون الجهاديون على السلطة، والأخيرة لا يمكن أن تعترف بالديمقراطية والمشاركة والتسامح فالمنهج الفكري - الديني الذي تتبناه لا يسمح أن تتلون الدولة بغير لونها ومبادئها، فهي لا تمثل المدرسة الإسلامية الداعية للاعتدال.
اليوم من واقع ما يتم تسريبه من مشاهد وصور نرى أن سوريا لا تزال تعاني من فكرة هيمنة الوجه الواحد للسلطة، لا يزال القصاص على الهوية والمعتقد والفكرة، والاختلاف غير وارد فشريعة الحكام الجدد اكثر صلابة لا يمكن أن تسمح لأصحاب الفكر والرأي والحريات بأن يكون لهم دور في عملية البناء الهيكلي للدولة، فالمُتبنى الذي كانت تسير به هذه الجماعات وشريعتهم لا يمكن أن تكون ضمن سلسلة من الخيارات الشعبية فهي اعتقاد راسخ لا يمكن تجزئته، ولا يمكن النقاش فيه لقداسته الفكرية - النصيه، بالرغم من الدعم الأمريكي - الإسرائيلي للنظام السوري الحالي ودعم النظام الرسمي العربي والتأكيد الاوروبي المصلحي في سوريا، إلا أن هذا لا يمكن إعطاؤه الصفة القطعية بأن القادم السوري افضل حتى وإن كان خطاب الجولاني ومساعديه فيه ملمس التطمين، إلا أن أصحاب الفكر والرأي وقتل المختلف معهم لا يعطي جرعة الأمل، التي تُبشر بقدوم الاستقرار والرضا في الداخل السوري، فسيطرة هذه القوى ستؤدي بالمحصلة إلى تنازعها مما على يعمل ازدياد عدد الضحايا من المدنيين، وإذا ما بقيت سوريا تُدار بعقلية الحاكم الواحد ذي النظام الواحد وبهذا التطرف في التفكير فانها وبكل وضوح ستكون منتجة لعدم الاستقرار بشكل لا يحتويه عقل.