غيداء البياتي
لم يكن يوم الثلاثاء الموافق 28 كانون الثاني الماضي يوماً عادياً في حياتي، ففيه رأيت لأول مرة «الكعبة المشرفة» بيت الله الحرام وخضت تجربة أداء مناسك العمرة الواجبة على كل مسلم ومسلمة، بحسب قوله تعالى «وأتموا الحج والعمرة لله»، لا أخفي أني كنت قد هيأت نفسي روحياً وعقلياً للاستجابة لنداء الإيمان قبل أن أرتدي الملابس البيضاء «الاحرام»، غادرت مدينة رسول الله «ص» برفقة المعتمرين إلى مكة بنية العمرة، كانت الرحلة طويلة لكنها شيقة ومليئة بالإيمان والشعور بالأمان والراحة النفسية، لا أعرف لماذا، هل لأن أصوات المعتمرين وهم يرددون «لبيك اللهم لبيك»، كانت تخرق سمعي وتدخل قلبي؟ أو لأني كنت أشعر وكأني سألتقي الله تعالى وليس الكعبة؟ في النهاية أتذكر أنه سبحانه مطلع علينا ويعلم ما نسر ونعلن وأتيقن أنه سر الشعور بالاطمئنان.
وصلنا مكة ليلاً وأنا أتوق شوقاً لرؤية «الكعبة» المشرفة سرنا صوب الحرم، ها هي مآذن المسجد الحرام ذات الإضاءة البراقة تقترب تدريجياً، شعرت أن قلبي ينبض من اليمين، الآن حان اللقاء، سمعت أن هنالك دعوة مستجابة عند النظرة الأولى للكعبة، أخذت أفكر بماذا سأدعو الله وما هو الشيء الذي أتمناه فأدعو الرحمن أن يحققه؛ لأنه سبحانه قادر على كل شيء، فاخترت أمنية خاصة وأخرى عامة وهي أن يحفظ العراق آمناً بأهله، نظرت وإذا بالكعبة أمامي والمعتمرين يطوفون حولها، تلعثمت والتبست عليّ المشاعر ولم أعد أميز بين الرهبة والخوف والاشتياق، ثم الانهيار بالبكاء يا الله هل هي دموع الفرح؟ أم الخشية من الرحمن؟ ثم سكينة وراحة وعشق؛ ولا أذكر أني دعوت بشيء مما كنت أنوي الدعاء به، لكني برأت ذمتي أمام رب العزة من أي عمل أو كلام فيه شرك، ثم بدأت الطواف لسبعة أشواط، في كل شوط أريد أن ألتمس بركة الكعبة وأتخذها وسيطاً لدعائي، وأسمع دعاء الناس من حولي دون أن أفهم ما يقولون فهم من جنسيات مختلفة، لكن لا شك أنهم يلهجون بالدعاء والاستغفار، وبالرغم من خشونة التدافع، فإن هنالك من يعتذر ويلقي الكلام الطيب، وآخر يساعد في تقديم العون لشيخ هرم، وصور كثيرة تعكس حسن الخلق، في تلك اللحظة التاريخية تمنيت أن أرى محاسن الأخلاق في طباع الناس بكل بقاع العام وليس في بيت الله فقط، وأيقنت أن المسلم بأخلاقه يمكن أن يكون داعية للإسلام، وأنه أحب الناس إلى الله ورسوله كما قال «ص» إن من خيارِكم أَحسنكم أَخلاقًا».