استئناف تصدير نفط كردستان العراق.. بُعدٌ اقتصاديٌٌٌٌ وسياسي

آراء 2025/02/24
...

 محمد علي الحيدري


بعد قرابة عامين من التوقف، أعلنت وزارة النفط الاتحادية استكمال الاستعدادات اللازمة لاستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان العراق عبر خط الأنابيب العراقي-التركي إلى ميناء جيهان.

هذا الإعلان يأتي في سياق تفاهمات سياسية واقتصادية معقدة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، وسط ضغوط دولية، لا سيما من الولايات المتحدة، التي تسعى لاستقرار إمدادات النفط العالمية.

توقف صادرات النفط من الإقليم منذ مارس 2023 جاء بعد صدور قرار محكمة التحكيم الدولية في باريس، الذي ألزم تركيا بدفع تعويضات للعراق بقيمة 1.5 مليار دولار بسبب تصدير النفط من الإقليم بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادية. هذا القرار عزز موقف بغداد القانوني، لكنه أدى إلى خسائر مالية كبيرة قُدّرت بأكثر من 23 مليار دولار نتيجة توقف التصدير، وفقًا لتقديرات وزارة النفط الاتحادية التي نشرتها رويترز. وللمساهمة في معالجة هذه الخسائر، أقر البرلمان العراقي في نوفمبر 2024 تعديلات على قانون الموازنة، نصّت على إلزام حكومة إقليم كردستان العراق بتسليم إنتاجها النفطي إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) مقابل تسوية مالية تغطي تكاليف الإنتاج والنقل، والتي حُددت بـ16 دولارًا للبرميل لتعويض الشركات الأجنبية العاملة هناك. هذه الخطوة هدفت إلى إعادة دمج نفط الإقليم في المنظومة الاقتصادية الوطنية، وفق تقرير نشرته أسوشيتد برس.

لم يكن استئناف تصدير النفط قرارًا تقنيًا فحسب، بل جاء نتيجة مفاوضات سياسية طويلة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق، التي واجهت ضغوطًا داخلية من الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، والتي هدد بعضها بوقف العمليات بسبب عدم وضوح آلية الدفع. هذه النقطة كانت إحدى العقبات الأساسية في المفاوضات، حيث أصرت بغداد على أن تكون جميع العقود تحت إشراف سومو، بينما سعت أربيل إلى ضمان استمرار التزاماتها مع الشركات الأجنبية دون تغيير جوهري في طبيعة العقود، وفقًا لتقرير بلومبرغ. وعلى المستوى الدولي، نقلت رويترز عن مصادر دبلوماسية أن واشنطن مارست ضغوطًا على بغداد للإسراع في استئناف تصدير النفط من الإقليم، معتبرة أن التأخير قد يُعرّض العراق لمخاطر اقتصادية في حال استمرار الجمود النفطي، خصوصًا أن الولايات المتحدة تسعى لتعويض انخفاض محتمل في الإمدادات العالمية بسبب العقوبات المشددة على إيران. كما أشارت المصادر إلى أن واشنطن طالبت بغداد باتخاذ إجراءات صارمة لوقف تهريب النفط من كردستان العراق إلى إيران، والذي استمر حتى بعد إغلاق خط الأنابيب العراقي-التركي، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي الإقليمي. 

إعادة تصدير النفط قد يشكل خطوة نحو تهدئة الخلافات المتراكمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق، لكنه لن يكون كافيًا لحل جميع القضايا العالقة، مثل توزيع العائدات والنفوذ السياسي للإقليم في القرارات الاقتصادية السيادية. فبحسب تقرير فايننشال تايمز، لا تزال هناك خلافات بشأن آلية التحكم في الإيرادات، حيث تطالب بغداد بسلطة كاملة على عائدات النفط المصدر، بينما تسعى أربيل لضمان نسبة عادلة من العائدات للحفاظ على استقرارها المالي. وعلى الجانب الآخر، فإن استئناف التصدير يعزز موقف الحكومة الاتحادية في المفاوضات مع تركيا، التي تربطها علاقات تجارية استراتيجية مع إقليم كردستان العراق. وبحسب تحليل نشرته المونيتور، فإن أنقرة تسعى لإعادة فتح خط الأنابيب النفطي ضمن تفاهمات أوسع تشمل قضايا أمنية واقتصادية، مما يمنح بغداد مساحة أوسع للمناورة في مفاوضاتها مع كل من أربيل وأنقرة.

من منظور أوسع، يعزز استئناف تصدير النفط من كردستان العراق استقرار الإمدادات النفطية العالمية، لا سيما في ظل التقلبات الجيوسياسية الأخيرة. فبحسب تقرير بلومبرغ، فإن الأسواق النفطية تراقب عن كثب التطورات في العراق، حيث يُتوقع أن يُسهم استئناف التصدير في تخفيف بعض الضغوط على الأسعار، خاصة إذا استقر الإنتاج عند مستوى 300 ألف برميل يوميًا كما أعلنت وزارة النفط الاتحادية.

يمثل هذا التطور نقطة تحول في العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، لكنه لا يُنهي بالضرورة الخلافات العميقة بين الطرفين. فبين المصالح الاقتصادية، والضغوط الدولية، والاعتبارات السياسية الداخلية، يبقى النفط أداة تفاوض رئيسة في المشهد العراقي، ما يجعل المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة، قد تتوقف على مدى التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاقات المبرمة.