محمد شريف أبو ميسم
لسنا معنيين بمن سيتولى ادارة الدولة في الأربع سنوات التي ستلي الانتخابات المقبلة، ولكننا ومن موقع المسؤولية الوطنية، سندعم وبقوة كل المخلصين الذين سيعملون من أجل النهوض بهذه البلاد، لتأخذ مكانتها التي تستحقها بين بلدان العالم، فالعراق المستقل الموحد المزدهر، الذي يتعايش على أرضه جميع أبنائه بكرامة هو هدفنا وأملنا، وهذا الاتجاه ليس خيارا، بل هو ضرورة نتمنى أن تستحيل إلى منهج يتحلى به كل أصحاب الرأي في مرحلة تعيش فيها البلاد أجواء غاية في الصعوبة، وهي تحاول النهوض من كبوتها وسط ضغوط دولية وتحديات داخلية.
إلا أننا، وكلما اقتربنا أكثر من موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، ازدادت وتيرة التصفيق للأزمات، وازدادت الرغبة في التعمية على أي منجز قد يخدم البلاد، في محاولة لكسر ارادة المحبين لهذا البلد، وخلق أجواء سلبية في الأوساط المجتمعية ومزيد من الأزمات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط، فضلا عن خطورتها التي تساهم في زيادة النعرات والتوترات، ما يهدد السلم المجتمعي.
وفي هذا السياق انشغلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا بتصفيق الجهات، التي تعتاش على الأزمات وتحاول أن تعيد البلاد إلى مربع الفوضى والنكوص، الذي يخدم بقايا نفر ضال ما زال يحلم بتخريب شكل الدولة ولن يرضى بكل منجز حتى يقبع على تل الخراب.
فتارة يتعالى التصفيق لوجود أزمة سيولة مالية في الخزينة العامة تهدد رواتب الموظفين، وتذهب وسائل الاعلام شرقا وغربا وهي تعيد انتاج تصريح هنا أو خبر هناك، ولا تكتفي بهذا على الرغم من تأكيد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، أن "ما يتم تداوله حول صعوبات مالية هي سيناريوهات تخيلية تهدف إلى خلق حالة من عدم اليقين"، بل تذهب إلى ما يمس رواتب الموظفين والمتقاعدين ورواتب شبكة الرعاية الاجتماعية بهدف التأثير على الرأي العام بدعوى وجود ما تسميه " اقرار برلماني بوجود شح في السيولة النقدية" فتسوّق هذا الأمر وكأنه أمر غير وارد في شؤون الادارة المالية.
وتارة أخرى تثير الهلع بين الناس بشأن مرض الحمى القلاعية، وهو مرض يصيب المجترات ومستوطن في العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فتقدمه للناس بوصفه حالة لم تحدث من قبل، وان تناول اللحوم ومنتجات الألبان خطر مطلق على المستهلكين، وهي في كل الأحوال مصادر غذائية تحتاج إلى التعقيم سواء بوجود المرض أو بعدمه، وعلى الرغم من خروج وزير الزراعة في مؤتمر صحفي مطمئنا الجمهور "ان هذا المرض لا ينتقل للانسان، وانه موجود في كل دول العالم" إلا أن حملة التهويل ما زالت مستمرة لتطيح بقطاع مهم من قطاعات الانتاج الحيواني، التي استطاعت أن تستعيد عافيتها في السنوات الأخيرة وتسجل انتاجا محليا عاليا ساهم بشكل وبآخر في الحد من المستورد وتشغيل فئات مجتمعية كانت تشكل ضغطا كبيرا على سوق العمل. وهكذا فمن المتوقع أن يتم تهويل الأحداث والأخبار وسواها من المواضيع التي تصلح لصناعة أزمة أو مادة اعلامية جدلية تثير الرعب أو الضغائن بين الناس أوتكريس حالة عدم اليقين كلما اقتربنا من موعد الانتخابات.
ونحن هنا لا ندعي ان البلاد تعيش عصرها الذهبي، ولا نقول اننا تخطينا سوء الإدارة، أو إننا نسير في شوارع حديثة خالية من الفوضى، وإن سوق العمل لا تكتظ بالعاطلين، وان البلاد قد انتقلت من الاستيراد إلى تصدير الفائض من السلع المنتجة محليا، ولا ندعي السكوت على ظواهر استغلال السلطة والنفوذ وظواهر الفساد التي تعددت وتنوعت لتكون جزءا من بناء التشكيلة الاجتماعية والسياسية وهي تنخر في جسد الدولة، ولكننا نقول نحن بأمس الحاجة لمن يجر الأصابع، لتشير إلى مكامن الضعف والخلل بموضوعية، بهدف تكثيف الضوء المسلط عليها بأمانة، بحثا عن المعالجات ودعما لمن يضعها موضع التنفيذ من المخلصين الذين يتصدون للمسؤولية، وأملنا أن نقف جميعا بوجه المفسدين بموضوعية ودون تهويل، وآخر قولنا أن الحمد لله لسنا من المنتفعين من سلطة أو امتيازات، بل إننا ما زالنا ننتظر الحصة التموينية ونستقل باصات النقل الجماعي، وبفضل الله بأتم صحة ونسير على أقدامنا لمسافات طويلة.