محمد صالح صدقيان
اختلف المتابعون والمحللون السياسيون بما في ذلك الامريكيون، وهم أهل الدار بالطريقة التي يتحدث بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب والمشاريع التي يطرحها، ابتداء بكندا التي يريد ضمها للولايات المتحدة التي تصبح الولاية 51 لها؛ وانتهاء بشراء قطاع غزة ومنحه لدول أخرى؛ مرورا بالتعرفة الجمركية التي يريد اصدارها على البضائع القادمة من خارج الولايات المتحدة. إيران غير بعيدة عن تصورات الرئيس ترامب، الذي وعد بمقابلة رئيسها مسعود بزشكيان ويريد الاحتفال برفع العقوبات عنها وسط العاصمة الإيرانية طهران؛ لكنه في ذات الوقت وقع على وثيقة يطالب فيها جميع المؤسسات الامنية والسياسية والاقتصادية الامريكية، بممارسة الضغوط القصوى على إيران اضافة الى فرض عقوبات على شركة خارجية تعمل في مجال تصدير النفط الإيراني للصين. كلام فيه نوع من التناقض قلَّ مثيله في تاريخ العلاقات الدولية في العصر الحديث. على ماذا يستند الرئيس الامريكي في برامجه وتصوراته وسلوكه في العلاقات الخارجية؟ ربما أن الداخل الامريكي لا يشعر بمضايقة حيال هذه الاجراءات والسياسات لأنها تصب بمصلحته؛ لكن ماذا عن الدول الخارجية وهي صديقة للولايات المتحدة؟. كيف يمكن أن يرضى الاردن أو مصر أو المملكة العربية السعودية بالسعي لترحيل الفلسطينيين لهذه الدول؟ أو إقامة دولة فلسطينية في الصحراء الشمالية للمملكة العربية السعودية، أو في صحراء سيناء؟ لماذا تسكت ادارة الرئيس ترامب بشأن تصريحات تصدر من داخل إسرائيل، بل على العكس يقول الرئيس ترامب إن إسرائيل صغيرة وإن نسبة مساحتها الجغرافية كمثل نسبة حجم القلم لحجم الطاولة التي يجلس خلفها؟. في الكتابين اللذين اصدرهما الرئيس ترامب وهما "فن الصفقة " The Art of The Deal و"كيف تفكر مثل الملياردير " Think Like billionaire. يبدو جليا كيف يفكر؟ وكيف يريد أن يتعاطى من المنافسين والدول المختلفة والملفات التي تدخل فيها الولايات المتحدة لاعبا مؤثرا؟ وكيف يريد أن يكون طرفا رابحا خلال المفاوضات التي يدخلها؛ وكيف يؤثر في المفاوض الأخرى، الذي يجلس امامه على الطاولة؟. واضح أن ما كتبه في هذين الكتابين من مبادئ يعتمد عليها كثيرا خصوصا مع وجود مصاديق عدة للسلوك. القراءة السريعة لأهم المبادئ، التي وردت في هذين الكتابين لا تخلو من متعة وفائدة حتى نعرف كيف يمكن التعاطي ليس في ملفاتنا العالقة، وإنما كيف نفهم الرئيس ترامب.
اولا: حدد أهدافًا كبيرة؛ يعتقد ترامب أنه يجب السعي لتحقيق أهداف كبيرة وطموحة منذ البداية. ويقول إنه إذا كنت تريد التفاوض، فمن الأفضل أن تسعى للحصول على صفقة عظيمة، وليس مجرد صفقة متوسطة.
ثانيا: الحفاظ على موقع القوة؛ أحد مبادئه الأساسية هو التفاوض دائمًا من موقع القوة. وهذا يعني كما يقول ضرورة وجود خيارات بديلة "الخطة B " وإظهار أنك غير ملزم بالصفقة.
ثالثا: تعزيز صورتك الشخصية؛ وهو يعني امتلاك صورة قوية وصارمة يجعل الطرف الآخر يأخذك على محمل الجد؛ مع ضرورة استخدام وسائل الإعلام لتقوية الصورة الشخصية للمفاوض. ويعتبرها إحدى أدوات القوة الرئيسة في المفاوضات.
رابعا: توضيف الحدث؛ وهو يعني استخدام كل ما لديك من وسائل وجعلها وسيلة ضغط بما في ذلك المعلومات التي تمتلكها؛ والضغوط النفسية، وحتى التهديد بالانسحاب من المفاوضات. خامسا: تعامل مع المفاوضات باعتبارها لعبة واستمتع بها؛ يدعو ترامب الى جعل المفاوضات نوع من اللعبة ينبغي الاستمتاع بها. ويعتقد أن الثقة العالية بالنفس وحتى القليل من الاستعراض يمكن أن يكون لها تأثير كبير على النتيجة. سادسا: كن مستعدًا دائمًا للانسحاب من المفاوضات. أحد أهم تقنياته هي الانسحاب من المفاوضات إذا لم يكن الوضع في صالحك. ويؤكد مراراً وتكراراً في كتبه أن "عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ". سابعا: خلق جو من عدم الثقة. يتعمد ترامب في بعض الأحيان اتخاذ مواقف غير واضحة ومتناقضة لإبقاء الطرف الآخر في حالة من عدم الثقة. إن هذه الطريقة تجعل المفاوض الآخر أكثر حذراً وربما يقدم المزيد من التنازلات. ثامنا: اظهر نفسك كشخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. وهذه نقطة مهمة وواضحة في سلوكه يٌقرها عديد المواكبين لتصرفات الرئيس ترامب الذي يعتقد أن عدم القدرة على التنبؤ يشكل ميزة لأنه يجعل الطرف الآخر أكثر حذراً وأكثر ميلاً إلى تقديم التنازلات خوفاً من رد الفعل. تاسعا: جعل الطرف الآخر متعبًا. من بين التكتيكات الأخرى التي يؤكدها ترامب إطالة أمد المفاوضات والضغط على الجانب الآخر لإنهاكها. يعتقد أنه من الأسهل على الطرف الآخر التنازل عندما يكون متعبًا.
عاشرا: استخدم وسائل الإعلام لتعزيز موقفك. هذه النقطة واضحة جدا باستخدام ترامب لوسائل الإعلام ووسائل التواصل للتأثير على عملية التفاوض. وبتصريحاته العلنية وتغريداته، نجح في تغيير أجواء المفاوضات وزاد الضغوط على الجانب الآخر. ويمكننا ان نجد لكل مبدأ من هذه المبادئ مصاديق كما قلت مثل اللقاء الذي تم في المكتب البيضاوي مع الملك عبد الله بن الحسين، عندما جعل اللقاء بكامله تحت الاضواء والكاميرات، التي نقلت اللقاء مباشرة على الفضاء؛ والادلاء بتصريحات قوية وفوقانية للضغط على الملك الذي يريد منه عمل كبير وهو استقبال سكان غزة؛ وإحراجه واعطاء رسالة واضحة للآخرين الذين يهمهم الأمر.