شرق أوسط بأبعاد توراتيَّة.. يا للهول

آراء 2025/02/24
...

  نبيه البرجي

  

 في ثقافة المايا صلوات للأرواح الشريرة لكي ترأف بالضحايا. على إحدى اللوحات هياكل عظمية تقف على قدميها وتبتهل. هذا يقودنا إلى السؤال أي أرواح شريرة تقود اسرائيل، حين تنشر عشرات آلاف الضحايا في العراء، بل وفي الخواء؟

 على مستوى العالم، اختلال مروع في موازين القوى، كما لو أن الكرة الأرضية، وكما تقول الخرافة الأوروبية، تقف (أو تدور) على قرن ثور. لقاء دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، في السعودية (وللمكان دلالته المتعددة الأبعاد)، لن يكون بين قطبين متوازيين. الرئيس الأميركي يريد اخراج نظيره الروسي من الاستنزاف الدراماتيكي في أوكرانيا، مقابل تكبيله بالسلاسل. المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا كيث كيلوغ قال إن بلاده ترغب في "قطع تحالفات روسيا مع كوريا الشمالية والصين وايران"، أي عودة الدببة القطبية إلى البيات الشتوي، والا قطع الطريق على النفط الروسي الذي بمثابة اعلان حرب. ماذا يعني انفجار العلاقات بين أميركا وروسيا؟ 

 هكذا وضع العالم على فوهة البركان. المفكر الفرنسي ايمانويل تود الذي تنبأ، عام 1976، بسقوط الاتحاد السوفياتي، يحذر من "تلك الاستراتيجيات المجنونة التي تضع العالم على أبواب الحرب العالمية الثالثة". تحدث عن تصدعات كارثية تهدد القارة العجوز، ليذكّر المنظّر الجيوسياسي الروسي ألكسندر دوغين بأن القياصرة لم يفكروا يوماً باحتلال أوروبا، العكس حدث، نابليون بونابرت توجه، بخيوله، إلى موسكو ليسقط بين الثلوج، وأدولف هتلر توجه، بدباباته، إلى موسكو ليسقط بين النيران.

 ما كانت نتيجة انفاق الولايات المتحدة مئات مليارات الدولارات على الحرب في أوكرانيا؟ لا شيء، بعدما كان جو بايدن، الآتي من أروقة الكونغرس لا من مستنقعات الميكونغ، يعتبر أنه بنصب صواريخ كروز على حدود روسيا لا يتسلق فقط أسوار الكرملين بل يتسلق أسوار التاريخ. سقط حتى عند أسوار البيت الأبيض. دونالد ترامب كاد يلقي به في صندوق القمامة. كان هناك كلام لافت لأستاذة العلوم السياسية والفلسفية في جامعة يال الأميركية، التركية الأصل، سيلا بن حبيب بأن الرؤساء الأميركيين ينظرون إلى العالم بعين الثور الأهوج أو بعين الثور الأعرج، لكأن الدول الأخرى أقرب ما تكون إلى قرى الهنود الحمر. لا تفاعلات حضارية ولا تفاعلات أيديولوجية ولا تفاعلات استراتيجية، لتتركز السياسات، ومنذ تفكك الاتحاد السوفياتي على صناعة الفوضى (الفوضى اللاخلاقة). 

من عقود قال المؤرخ بول كنيدي "الآلهة لم يتمكنوا من ادارة الكرة الأرضية، كيف للأباطرة أن يفعلوا ذلك؟". الآن، أمبراطور واحد ويريد أن "يأكل القيصر"، ليتفرغ لمراقصة التنين. الباحث بيري لينك قال "مشكلتنا اننا حين نوجه الضربات إلى وجوه الصينيين يقابلوننا بالضحكات". حذر من أن "يفلت الباسيفيك من أيدينا". في هذه الحال، من يضمن ألاّ تنفصل كاليفورنيا وولايات أخرى عن الحكومة المركزية؟ لاحظ ان هاري ترومان "ألقى بالقنبلة النووية على اليابان للحيلولة دون ذلك. الآن، وغداً، كيف يمكننا أن نطلق، ولو رصاصة، على رأس التنين؟".  رهان على شيء ما تأتي به للشرق الأوسط القمة الأميركية ـ الروسية التي اقتربت لتؤسس لمرحلة ذات أبعاد مستقبلية، مع اعتبار امكانية انعقادها على أرض عربية. هنا التذكير بالمفاعيل السياسية، والتاريخية، للقاء الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت الذي، غداة مؤتمر يالطا مع جوزف ستالين وونستون تشرشل في شباط 1945، قطع نصف المعمورة، وهو يحمل 7 كيلوغرامات من الحديد في ساقيه للقاء وصفه بعض المؤرخين بانه استكمال لثلاثية يالطا. ولكن ماذا حين يصرح السفير الأميركي المعين لدى اسرائيل مايك هاكابي بأن التغيير في الشرق الأوسط سيكون بأبعاد توراتية. يا للهول حين لا يقتصر التغيير على الإطار الجغرافي، بل يمتد إلى الشخصية التاريخية للمنطقة، بكل تراثها القومي، والديني، وبطبيعة الحال البعد الفلسفي والسوسيولوجي.

 في 4 آذار قمة عربية في مصر. لطالما كانت مقررات القمة على طريقة مقامات بديع الزمان الهمذاني. الشاذلي القليبي قال "لن أقبل بمقررات تكون طعاماً للفئران". كثيراً ما استند العرب إلى مبادرتهم الديبلوماسية التي اقروها، عام 2002، في قمة بيروت. لكنها لم تصل إلى نيويورك (الأمم المتحدة) لأنها لحظت "خلسة" حق العودة، لا بل إنها فارقت الحياة قبل أن تطوى الأعلام عند مدخل فندق فينيسيا. 

 المبادرة كانت عرجاء. نصت على الخيار الديبلوماسي، دون أن تلحظ أية بدائل في حال سقط الخيار الديبلوماسي. الآن تغيير في جغرافيا، وفي تاريخ، المنطقة. هل تكفي القفازات الحريرية؟