د. هوشيار مظفر علي أمين
في لحظة سياسية فارقة، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع المتغيرات الإقليمية، برزت العلاقة بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني كنموذج لشراكة استراتيجية تستهدف تحقيق الاستقرار والتكامل الوطني.
خلال مؤتمر بغداد الدولي السابع، شدد الطرفان على أهمية التعاون الوثيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، مؤكدين أن المرحلة الراهنة تتطلب نهجًا جديدًا قائمًا على الحوار والتفاهم المتبادل. السوداني، الذي نجح في تعزيز مكانة العراق إقليميًا، وجد في بارزاني شريكًا يدرك أن الحلول المستدامة لا تأتي إلا من خلال العمل المشترك، وليس عبر الصراعات والمزايدات السياسية.
ملف الاقتصاد كان حاضرًا بقوة في نقاشات السوداني وبارزاني، وخطابهما هناك بروح وطنية تجمع الوحدة الوطنية، حيث يعتقد الطرفان أن العراق يمتلك فرصة تاريخية ليصبح مركزًا اقتصاديًا إقليميًا، وهو ما أكده بارزاني بقوله: “العراق بموقعه وثرواته يمكن أن يكون جسرًا يربط الخليج بأوروبا والشرق بالغرب، لكن ذلك يتطلب استقرارًا سياسيًا وإطارًا قانونيًا جاذبًا للاستثمار”.
في هذا السياق، تبرز أهمية مشروع “طريق التنمية”، الذي وصفه بارزاني بأنه “خطوة تاريخية نحو عراق أكثر استقرارًا وازدهارًا”، بينما يرى السوداني أن هذا المشروع يمكن أن يكون نقطة تحول في إعادة رسم موقع العراق على خارطة الاقتصاد الإقليمي والدولي. هذا التوافق بين بغداد وأربيل حول المشروع يمثل انعكاسًا للرؤية الاقتصادية المشتركة التي تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة نحو استراتيجية تنموية وطنية.
الاستقرار الأمني كان من القضايا المحورية في النقاشات، حيث أكد السوداني أن "تعزيز الأمن الداخلي شرط أساسي لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة"، بينما شدد بارزاني على أن “الاستقرار لا يمكن أن يكون جزئيًا، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب تكاملًا بين بغداد وأربيل".
من هذا المنطلق، فإن العلاقة بين السوداني وبارزاني لا تقتصر على إدارة الخلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم، بل تمتد إلى شراكة حقيقية في صياغة استراتيجية أمنية وطنية تحافظ على سيادة العراق وتحمي مصالح جميع مكوناته. الواقع السياسي في العراق يتطلب مقاربات جديدة، وهو ما يدركه السوداني وبارزاني جيدًا. فالأخير يرى أن “الشراكة الحقيقية والتفاهم هما السبيل الوحيد لحل المشاكل العالقة"، بينما يؤكد السوداني أن "العمل بروح الفريق بين جميع الأطراف السياسية هو مفتاح النجاح في إدارة الدولة".
هذا التقارب بين الرؤيتين يعكس تحولًا مهمًا في العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث لم يعد الحوار مقتصرًا على الملفات الخلافية، بل أصبح يستند إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي وترسيخ النظام الفيدرالي بما يخدم وحدة العراق وتقدمه.
في خطابه، أشاد بارزاني بسياسة السوداني الخارجية، معتبرًا أن “رئيس الوزراء العراقي أثبت أن العراق يمكن أن يكون جسرًا للحوار وليس ساحة للصراع”، في إشارة إلى نجاح بغداد في تعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية.
هذا التوافق بين الزعيمين حول أهمية اتباع سياسة متوازنة يقوم على إدراك أن العراق لا يمكن أن يكون طرفًا في محاور الصراع، بل يجب أن يكون فاعلًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو ما يتطلب دبلوماسية نشطة ونهجًا قائمًا على المصالح المشتركة مع دول الجوار. وهكذا فالعلاقة بين السيد محمد شياع السوداني والسيد نيجيرفان بارزاني لم تعد مجرد تفاهمات سياسية مرحلية، بل أصبحت شراكة استراتيجية قائمة على رؤية مشتركة لمستقبل العراق. هذه العلاقة، التي تجمع بين الواقعية السياسية والطموح التنموي، يمكن أن تكون النموذج الذي يحتاجه العراق لعبور تحدياته نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار.